٭ أخيراً، وأخيراً جداً انضمت تركيا أردوغان إلى الحرب الدولية ضد الإرهاب وتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في سورياوالعراق. ٭ القرار جاء إثر مفاوضات كثيفة وعسيرة مع الجانب الأمريكي الذي طلب أولاً السماح لطائراته وطائرات التحالف الدولي استخدام قاعدة «انجرليك» الجوية التركية.. والثمن الأول هو إقامة «منطقة آمنة» بين الحدود التركية مع سوريا التي تمتد لنحو تسعين كيلومتراً وبعمق أكثر من ستين كيلومتراً داخل الأراضي السورية. ٭ هدف «المنطقة الآمنة» - كما تسميها تركيا - ومنطقة «الحرب على داعش» كما تصر الولاياتالمتحدة على وصفها، هو هدف مزدوج إن لم يكن ثلاثي الأبعاد من المنظور التركي، بالإضافة إلى تأمين حدودها ضمن هجمات «داعش» التي امتدت أخيراً إلى داخل الأراضي التركية، عندما قام التنظيم بشن هجوم على المركز الثقافي الكردي في مدينة «سروج» القريبة من «كوباني» السورية.. ومن ناحية أخرى - وهذا هو الأهم - إطلاق يدها في الحرب على الأكراد الأتراك وحزبهم - حزب العمال الكردستاني - وقواتهم المتحركة بين سورياوالعراق.. وللمفارقة بموافقة من سلطات كردستان العراق بقيادة مسعود البرزاني. ٭ وبالفعل شنت القوات الجوية التركية أكثر من غارة جوية على بعض مواقع داعش في سوريا، ولكن مجهودها الحربي توجه بشكل رئيسي إلى مطاردة قوات حزب العمال التركي الكردستاني في العراق.. كما تستهدف تركيا من المنطقة الآمنة التخلص من عبء المهاجرين السوريين ودفعهم إلى داخل الحدود السورية ليقوم المجتمع الدولي بتأمين عونهم وإغاثتهم. ٭ منذ يومين شهد البرلمان التركي جلسة صاخبة بسبب القرار التركي الأخير.. فبينما وقف نائب رئيس الوزراء يحدث النواب عن دورهم في الحرب على داعش.. التي تسرب معظم مقاتليها إلى سورياوالعراق عبر الحدود التركية.. تحت نظر وسمع وربما بتسهيل من السلطات التركية، كما هو شائع عبر وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي.. بما في ذلك أولئك الذين تسللوا إليها من السودان.. وقف نائب رئيس الوزراء يبرر القرار، لكن سيدة كردية نائبة في البرلمان فاجأته بقولها إن خمسة وسبعين بالمائة من هجمات الجيش التركي توجه لمحاربة الأكراد بينما لا تنال داعش من تلك الهجمات أكثر من ربعها.. ما يعني أن الانضمام إلى حرب داعش لا يعدو أن يكون تقية وتبريراً للحرب على الأكراد في وقت ترفع الحكومة شعارات السلام معهم. ٭ رد عليها نائب رئيس الوزراء بما لم يتوقعه أكثر النواب والإعلاميون تشاؤماً.. إذ قال لها: «عليك أن تصمتي.. فما أنت إلا امرأة» فعم الهياج والغضب قاعة البرلمان.. فقد أخرج «الرجل» آخر ما في عقله وجرابه الأيدولوجي من فكر.. يستهين بالجنس الآخر باعتبارهن ناقصات عقل ودين وليس من حق إحداهن الصدع برأي مخالف في مواجهته!! ٭ القرار التركي، في نظر معظم المراقبين، ما هو إلا رد فعل للخسارة التي مني بها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات النيابية الأخيرة.. والتي أفقدته الأغلبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً كما كان عليه الحال خلال العشر سنوات الماضية.. وتجبره على إئتلاف مع أحزاب أخرى ستفرض عليه شروطاً تعيق برنامجه وطموح رئيسه أردوغان لتعديل الدستور من أجل تكريس سلطات أوسع بين يديه والمضي في تأسيس حكم يشبه «دولة الخلافة العثمانية». ٭ تركيا التي تعتبر منذ صعود حزب التنمية والعدالة بمثابة قلعة حصينة وملاذٍ آمن لجماعات الإسلام السياسي، بما في ذلك «التنظيم الدولي للإخوان المسلمين».. تجد يدها الآن مغلولة إلى حد ما لمواصلة التدخل الشرس في شؤون المنطقة العربية.. كما تفعل إيران.. لكن حربها على الأكراد ستستمر، فبالأمس القريب شنت غارات متتالية على قوات حزب العمال الكردستاني شاركت فيها أكثر من ثمانين طائرة، قتلت خلالها وأصابت أكثر من أربعمائة من عناصر الحزب المقاتلة. ٭ ومهما يكن من أمر فإنه لا يخفى على أي مراقب ومتابع للتطورات السياسية التركية أن أنقرا تشهد تحولات مهمة ستتبدل معها الصورة النمطية التي عرفناها لدولة أردوغان التي شهدناها خلال العقد المنصرم.