(1) ٭ عندما هبط المطار ليومين توقفت الأمطار وعند رحيله دارت السماء بالبرد سيلاً مدراراً . ٭ باراك أوباما حجر على رقعة الشطرنج التي تديرها الأيدي الخفية. عندما هبطت طائرة الرئيس الأمريكي أوباما أرضية ميناء أديس أبابا الجوي قادماً من جارتها نيروبي استقبله الشعب الأثيوبي بالود والترحاب ملوحين بأيديهم بأحلى وأجمل وأزهى ألوان الورود، بل افترشوا الأرض بأغلى أنواع السجاد وقد كان شعارهم: Mr. Barak Hussein Obama welcome to Ethiopia ، A land of God- Fearing and hospitable people in which both Christians and Muslims alike، coexist in harmony. كل هذا ظناً منهم بأن حققوا الحلم الذي كان ينتابهم منذ مئات السنين، وأن الطريق الديمقراطي الذي سلكوه نتج عنه زيارة رئيس أعظم دولة لها باع في المحافل الدولية. ٭ وبما أنني كنت ضيفاً بالعاصمة أديس أبابا أبان زيارة أوباما لها لاحظت شيئاً لفت نظري وأدهشني وهو توقف هطول الأمطار الغزيرة التي تصحبها زخات البرد، ولمدة 94 ساعة، وما أن غادر ميناء أديس أبابا الجوي وبعد 64 دقيقة جادت السماء وانهمر المطر مدراراً مصحوباً بزخات البرد الذي كسا الطرق والحدائق وأسقف المنازل كأنه شخب الحليب، وأضحت أديس أبابا ناصعة البياض، مما يذكرنا بذلك عام 1960م عندما هبطت طائرة الإمبراطور هايلوسلاسي « كنج استون « عاصمة جامايكا تلك الدولة التي مرت بها ست سنوات عجاف، حيث جف الزرع والضرع، وما أن وطأت رجلاه سلم الطائرة جادت السماء وانهمر المطر لعدة ساعات، مما جعل اعتقاداً يشيع من بعض أهل جامايكا بأن هايلوسلاسي رسول المطر الذي أنقذهم من القحط، حيث كونوا طائفة وأسموها (رأس تفري) وهو اسم الإمبراطور « تفري مكنن» وتوجهوا نحو أثيوبيا وأسكنهم الإمبراطور بإقليم « شاشمني» أخصب بلاد الحبشة ولا يزال هؤلاء القوم يقطنون هذا الإقليم. ٭ أوباما والحديث المعسول للأفارقة : عقد أوباما مؤتمراً ولقاءً مع رئيس مجلس وزراء أثيوبيا الفدرالية السيد هايلوماريم دسالين حيث أثنى على النهضة العمرانية والبنية التحتية والتطور الصناعي في أثيوبيا، معللاً ذلك بثوب الديمقراطية والانتخابات الحرة التي تحلت بها أثيوبيا، أضف إلى ذلك السبل الناجعة التي إتبعتها أثيوبيا لمكافحة الفقر والتطرف، وعند اليوم التالي كان اللقاء مع بعض القادة الأفارقة، ومن يمثل من غاب عنهم حيث لم يأت بجديد، وكان جل حديثه عن الإرهاب والتنمية والحروب التي تعصف بالقارة السمراء، خصوصاً قضية جنوب السودان، تلك القضية التي تحدث عنها كثيراً وكأنه يلزم هؤلاء القادة بإنهاء هذا الصراع الذي قتل وشرد الملايين. ٭ دواعي الزيارة وأسبابها : عند السنوات ال 51 الأخيرة استطاعت أثيوبيا وبقيادة زعيمها الراحل ملس زيناوي التركيز على محاربة الفقر وكانت نسبته 54%.. والآن تدنى إلى 28% مما جعل أثيوبيا من بين أربع دول تتصدر قائمة النمو السريع الذي بلغ 9% خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث فتحت أثيوبيا أبواب الاستثمار على مصراعيه، أضف إلى ذلك المساعادت الغربية من أجل مكافحة التطرف بشرق أفريقيا المضطرب، حينها أضحت دولة محورية من أجل الحفاظ على أمن واستقرار هذه المنطقة، حيث النظرة العميقة للدول الغربية بصفة خاصة لدولة أثيوبيا، وأضحت الحليف الاستراتيجي لحماية مصالحها الأمنية، والدليل على ذلك عندما قاد ملس زيناوي أفريقيا نحو الانضمام إلى مجموعة الثمانية ومجموعة العشرين الصناعية، وأن يجعل لأفريقيا صوتا مسموعا في كل المحافل الدولية، حيث أنشأ منبراً للشراكة الأفريقية مع هذه الدول، وخير دليل على ذلك عندما مثل دول الإيقاد لمؤتمر المناخ الذي انعقدت فعالياته بمدينة كوبنهاجن، وكان الإبن البار الوفي، وذلك من خلال دفاعه المستميت عن هموم شعوب هذه القارة التي أنهكتها ومزقتها الحروب والمجاعات والتخلف والجهل معبراً عن ذلك بلغة التخاطب المعسول، متجنباً الانفعال والعصبية، ومتحلياً برجاحة العقل المستنير وعذوبة اللسان، حينها عجت القاعة بالتصفيق الحاد، مما جعل الدول الأوربية الصناعية تعجل بدفع المبلغ الذي أقرت به كمساعدة لبلدان بعض القرن الإفريقي، هنا أوقدت الأيدي الحفية تحت دهاليز صولجاناتها وكان القرار أن مثل هذه الشخصية خطر عليهم، ولربما يوحد أفريقيا كتلة واحدة ويمكنها أن تقف نداً عنيداً لهم وأحكموا الخطة، ورحل ملس زيناوي للدار الآخرة، وحتى هذه اللحظة لم يكشف عن الداء الذي أصابه حيث كان يعالج بدول الغرب.. بعد ذلك توقفت الهبات وكان ذلك من أجل تعطيل عجلة النمو والتنمية بدولة أثيوبيا ولكن هل توقفت مشاريع التنمية؟ لا، لأن أهل أثيوبيا توجهوا نحو بلاد الصين الذين بدورهم قادوا دفة التنمية وكان حلم يراود أهل الصين، حيث عبدت الطرق القومية والمحلية بالمدن المختلفة، ومن أبرز هذه المشاريع سد النهضة وخطوط المترو التي تجوب كل أحياء العاصمة أديس أبابا. أضف إلى ذلك الطرق القارية ومنها على سبيل المثال الطريق القاري الذي يربط بين ميناء جيبوتي وأديس أبابا وموازياً له خط السكك الحديد، وكذلك الطريق القاري الذي يربط أثيوبيا بالسودان، كما كثرت الصناعة والمشاريع الزراعية، أضف إلى ذلك تلك النهضة العمرانية واضحة المعالم للزائر الذي تصيبه الدهشة للمجمعات السكنية التي تنتشر وسط أحياء أديس أبابا والمدن الأخرى، ويعجز الخيال عن وصفها وذلك من أجل الأجيال القادمة، كما اهتمت الدولة بالقطاع السياحي، كل هذا الذي تم إنجازه أزعج الغرب ممثلاً في الأيدي الخفية خصوصاً عندما تم الإتفاق من جهة أثيوبيا مع السودان ومصر لتشييد سد النهضة، وذلك من أجل توليد الطاقة الكهربائية والعائد من ذلك اكتفاء أثيوبيا من الطاقة الكهربية، والباقي يتم بيعه للسودان ومصر، هنا جن جنون الأيدي الخفية وأوقدوا الشموع مرة أخرى وأرسلوا هذا المارد الذي يدعي أوباما حاملاً حفنة من الدولارات من أجل التغلغل الصيني بدولة أثيوبيا، هذا الأمر الأول الذي أتى من أجله أوباما، فإن امتثل أهل أثيوبيا لهذا الأمر هو المطلوب إما إن تمادوا في احتضانهم لأهل الصين فهناك الخيار الثاني الذي لا تحمد عقباه.. وهو جرجرت إثيوبيا لحرب.. وكل الخيارات والأجندة مطروحة على طاولة الأيدي الخفية حيث نتحدث عنها في الأيام القادمة !!!