٭ لم أجد لنفسي بد من أكتب هذه الكلمات التي جالت بخاطري وأنا في أيامي الأخيرة في هذا البلد السودان، ولكن مهما يكن الأمر فإن مشاعر غريبة يحسها المسافر إلى بلد آخر لا يمكن وصفها، لكن يشاركني فيها إلا من سبق له أن مر بنفس الإحساس الذي أحسه. ٭ إن الوداع كلمة عميقة المعنى في رأي أمثالي ممن لا يجيدون وصف الأحاسيس التي تصاحب الوداع، لكن أحياناً يتفق معي الكثيرون في أن الوداع ليس من الأشياء الجميلة التي يستحسنها كثير من الناس... ولعلي لا أكتمكم سراً إني من الذين لا يحبون الوداع نهائياً، لما يصاحبه من حالة حزن لست مضطراً بأي حال من الأحوال أن أعيشها ولو للحظات قصيرة.. ٭ نعم سأرحل ... ولكن بدون وداع ... سأرحل بدون أن يشعر أحد من الناس برحيلي ... سأرحل ولن أودع بعض أحبتي طوعا لأنني علمت أن قلوبهم لا تهوى وداعي وفراقي ... ويصعب عليّ فراقكم .. ولكن وضعت أشياء كثيرة فوق اشتياقي علمتني الحياة إذا فرّقت الأيّام بيننا أن لا أتذكّر من كنت أرافقهم بصدق إلّا بكلّ إحساسٍ صادق، ولا أتحدّث عنهم إلّا بكلّ ما هو رائعٌ ونبيل، فقد أعطاني صداقةً، وأعطيته عمراً، وليس هناك أغلى من الصداقة والعمر في حياة الإنسان. ولكني بعد الفراق لن أنتظر بزوغ القمر لأشكو له ألم البُعاد؛ لأنه سيغيب ليرمي ما حملته، ويعود لنا قمراً جديداً، ولا أقف أمام البحر لتهيج أمواجه، وأزيد على مائه من دموعي؛ لأنّه سيرمي بهمّي في قاع ليس له قرار، ويعود لي بحراً هادئاً من جديد، وهذه هي سنّة الكون، يوم يحملك ويوم تحمله. ٭ وقالوا لي ان الوداع.. كلمة قاسية تقسو على كل من يكون أسيراً لها ... وقالوا لي أيضاً إنها كلمة عند نطقها لا يحس المرء بمعناها الحقيقي وطعمها المر وإنما يحس بمرارتها عندما تحين لحظة الوداع التي دائماً ما تمر على الإنسان وهي أقسى وأمر اللحظات التي يعيشها .. مع أنها لحظات، إلا أنني دائما أفكر في هذه اللحظة طويلاً لأتقبل الأمر، ولا استطيع أن أهونه على نفسي حتى أني أخاف أن أصاب بما تسببه لنا هذه اللحظة وغيرها من آلام فهي .. من اللحظات المؤلمة في حياتنا. وعلى الرغم من هذا كله فقد خطرت ببالي أسئلة، ثم طرحتها على كثير من الناس... هل أنت ممن يفضلون أن لايودعوا أحبابهم حين السفر ؟؟.. هل أنت ممن لايتمالكون أنفسهم لحظة الوداع وتفيض عيناه بدمعات حرى ؟؟.. هل فارقت شخص منذ زمن طويل وتنتظر عودته بشوق شديد؟؟.. أحيانا قد ترغمنا الأيام على الوداع .. وأحيانا نحتاج نحن للوداع ولكن متى نحتاج للوداع ؟؟.. هل الوداع يزيد قلوبنا إشتياقا ومحبة؟؟ ٭ لحظات الوداع هي لحظات تتبعثر فيها الآهات على اللسان و تموت الأنات على الشفاة تختنق الأحاسيس عاجزة عن التعبير وسيد الموقف في هذا اللحظات هو الدموع .. فعند وداع الأحبة نذرف دموع حنين ومحبه .. فالوداع أصعب ظرف نعيشة في حياتنا .. وأصعب وداع هو وداع الشخص العزيز على نفسك .. فللوداع أحساسيس شتى وانفعالات متباينه .. تظل المشاعر في متاهات لا نعرف مداها .. ولا تستبين هداها.. وهاهي رايات الوداع ترفرف في ساحات نفسي الداخلية مع الغروب الحزين لتضفي على شواطيء الحزن الكسير في فؤاد أرقته آهات الفراق وومضات صامتة ..!! ونظرات دامعة تحلق في عالم مجهول وأبحر من الأحزان لا شاطئ لها ..!! هل هو عالم صراخات الوداع وضجة الرحيل ..؟؟ ربما يحسه آخرون ولا يحسه البعض الآخر ..!! هاهي دموعي الساخنة تسقط على دفتر من ذكريات الوداع التي تلوح لي كأسراب طيور النورس المهاجرة نحو مغيب الشمس الحزين ..!! وهاهي رايات الوداع ترفرف مع الغروب الأليم الذي يومي إليّ بذكريات تمر على خاطري كمرور القطر من فم السقاء ترتسم لي في آخر لحظات وداعي ولا أريد أن تهطل أعيني أدمعا حرّى بكل سخاء ..!!