الحكايات الطريفة دائماً لا تخلو من حكمة، والحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها أخذ بها، فلو كنا نقول ونستمع لحكاياتنا وأقاصيصنا الفكاهية الشعبية بانتباه ووعي لاستمدينا منها الحكمة وكثيراً من الحلول وتطورنا بشكل أفضل وأسرع مما نحن عليه الآن. من الحكايات الشعبية ما تحكي عن شخص سُرق منه ديك صغير فاستهتر بالموضوع ولم يتضجر أو يتهم أحداً بالسرقة، لاعتقاده أنها سرقة بسيطة وعادية، لكن بمرور الأيام استمرت عملية السرقة من قبل اللصوص فسرقت أغنامه وأبقاره ووصل الأمر حتى سُرق منه الجمل الذي كان مهماً وعظيماً في نظره، وهنا بدأ التضجر والسخط ، و(قوَّم صاحبنا الدنيا ولم يقعدها)، فلم يكن من أصحابه والقريبين منه إلا أن نصحوه لائمين وموبخين له قائلين بحكمة وبعد نظر: «أنت كان زمان باريت درب ديكك الذي سُرق أولاً لما استمرت الحكاية وصلت لسرقة الجمل».. ما سبق قصة أو حكاية أو سمها ما شئت، لكنني تذكرتها عند اطلاعي على التقارير الآخيرة لمؤشرات الفساد في العالم وقد احتل السودان فيها المرتبة قبل الأخيرة بترتيبه رقم 173 ولم تأت خلفه إلا دولة الصومال التي ربما كانت بأسبابها بعد ما أصابها من مشاكل، والعراق في المرتبة 169 ، ثم ليبيا في المركز الرابع عربياً و160 عالمياً. وهذه الحكاية أتذكرها مراراً مع بداية كل مسلسل تبدأ حلقاته بعبارة هناك شبهة مفسدة بالموقع الفلاني أو بالمؤسسة الفلانية ومع كل تصريح للمراجع العام ينبيء عن وجود مشكلة ما تتعلق بالفساد. لو أخذنا بمدلول وعبرة حكاية «الديك» السابقة أعلاه لقلنا للحكومة : «لو من البداية كنتوا باريتوا درب أول جنيه سوداني (مُختلَس)، لما وصل السودان إلى هذه المرحلة ولما تشرفت المرتبة قبل الأخيرة من تلك القائمة السوداء بوجودنا بها.