الشفافية، وتجميد حرية الصحافة أضحى الاعتداء على المال العام – بكل أسف – ثقافة راسخة شجعت الكثير من المسؤولين على الاختلاس، والسرقة وخيانة الأمانة. فقد كشف المراجع العام أن حجم الاعتداء على المال العام في الأجهزة القومية بلغ 5.4 مليون جنيه، بزيادة بلغت – ويا للعجب العجاب – 125% عن نفس الفترة من العام الماضي، استرد منها 6% فقط. ويمكن الاستنتاج من ذلك، أنه إذا كانت الأجهزة الرقابية والعقابية رادعة لما زادت نسبة الاعتداء على المال العام بهذه النسبة المخيفة، كما أنه لو كانت القوانين المشددة على عدم الاعتداء على المال العام صارمة لأمكن استرداد جل الأموال المختلسة، ومما يثير الدهشة، أن الأجهزة القومية في السودان ليست الوحيدة الضالعة في جرائم الاعتداء على المال العام، فقد أشار وزير مالية الجنوب إلى أنه يحاول تعقب ما قيمته ملايين من الدولارات من شحنات الحبوب المفقودة في لب ما يمكن وصفها بأنها قضية كبرى لسوء الإدارة والفساد.. وتجيء هذه السرقات في وقت يعاني فيه الجنوب من سوء التنمية وضعف الخدمات التعليمية والصحية. ومع وجود سلسلة من العوامل التي أدت وتؤدي إلى استشراء وانتشار ثقافة الفساد والاعتداء على المال العام، فإن غياب الحرية الصحفية وتجميدها في بعض الأوقات قد أديا إلى تنامي ظاهرة الاعتداء على المال العام.. ولك أن تتصور أن التقرير السنوي لمنظمة مراسلين بلا حدود لهذا العام عن أوضاع حرية الصحافة في 175 دولة، قد احتل السودان المرتبة 148 من أكثر بلدان العالم التي تعاني من التدخلات السياسية والقمعية ضد الصحافة والصحفيين. إن محو ثقافة الفساد وإزالة آثارها السلبية يتطلبان تطبيق القوانين الرادعة، وتفعيل الأجهزة الرقابية، وبسط حرية الصحافة، وحرية النقد، توطئة لكشف المتلاعبين بالمال العام، ولو كنا في زمن الاتحاد السوفييتي السابق لقلنا: لاتتهاونوا مع أعداء البروليتاريا، وسارقي قوت الشعب، وجيوب الفساد وشرانق الإفساد. ولو رجعنا بذاكرتنا الحية إلى الوراء أربعة عشر قرناً ونيفاً، لقلنا: اهتدوا بقول خاتم الأنبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة والسلام في خطبة الوداع: إن دماءكم وأموالكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، فليبلغ الشاهد الغائب، فإن عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه.