E.mail:[email protected] الحكايات الطريفة دائماً لا تخلو من حكمة ، و الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذ بها ، لو كنا نسمع حكاياتنا و أقاصيصنا الفكاهية فنستمد منها الحكمة و الحلول لتطورنا ( اجتماعياً ) بشكل أفضل و أسرع مما نحن عليه الآن ، فالحكي السماعي و الاستماع للنكات الحلوة و ال ( بذيئة ) أيضاً ، دون الاعتبار ، و الأخذ بالموعظة و النتائج ضياع زمن و جهالة ليس إلا . إحدى تلك الحكايات الشعبية الجميلة تقول : أن أحدهم سُرق منه ديكاً صغيراً فاستهتر بالموضوع و لم يتضجر أو يتهم أحداً بالسرقة ، لاعتقاده أنها سرقة بسيطة و عادية ، لكن بمرور الأيام استمرت عملية السرقة من قبل اللصوص فسرقت أغنامه و أبقاره و وصل الامر حتى سرقة الجمل الذي كان مهماً و عظيماً في نظره ، و هنا بدأ التضجر و السخط ، و قوَّم صاحبنا الدنيا و لم يقعدها ، فلم يكن من أصحابه إلا أن نصحوه لائمين و موبخين له ، و قالوا : " انت كان زمان باريت درب السرق ديكك ما كان الحكاية وصلت لسرقة الجمل " .. ما سبق قصة أو حكاية أو سمها ما شئت ، لكن ، في وقتٍ سابق كان المراجع العام قد أعلن للصحف أن جملة جرائم الاعتداء على المال العام في نطاق الأجهزة القومية والولائية بلغت (174) مليون جنيه باستثناء البنوك والمصارف .. و كشف تقرير آخر معد من اللجان المتخصصة بالبرلمان السوداني نشرته الصحف و منشور بموقع ( سودان تربيون ) الالكتروني بتاريخ 2 مايو 2012 عن تجاوزات مالية في عدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية خلال العام 2010- 2011، شملت تجنيب المال العام لحوالي أربع عشر وحدة حكومية، من بينها بعض الوزارات السيادية .. وأوضح التقرير المنشور أن حجم الاعتداء على المال العام في الفترة من سبتمبر 2010 إلى أغسطس 2011 بلغ أكثر من (4) ملايين جنيه، مقارنة بأكثر من (16) مليون جنيه عن العام 2009، وأشار التقرير إلى أن نسبة الاسترداد بلغت 4% خلال الفترة المذكورة. و حسبما جاء على لسان ( سي إن إن – عربية ) فقد اعتلى السودان قائمة الدول العربية والعالمية من حيث انتشار الفساد، و احتل المرتبة قبل الآخيرة بترتيبه ال 173 و لم تأت خلفه الا دولة الصومال التي ربما كانت هي الوحيدة الأكثر فساداً منا ، و تلتهم العراق في المرتبة 169 ، ثم ليبيا في المركز الرابع عربياً و160 عالمياً . و التقارير العالمية ذكرت أيضاً أن السودان إحتل مركز ثاني أفسد دولة في العالم العربي للعام 2012 و في مؤشر مدركات الفساد بالدول العربية جاء السودان في المركز 18 قبل الصومال التي تذيلت القائمة في المركز ال 19 والأخير كأفسد دولة عربية . الأرقام المذكورة أعلاه نصبتنا في أعلى قوائم عالمية لكنها للأسف قوائم لا تتشرف بها الدول و لا المواطن و ياليتنا لو لم نذكر بها نهائياً ، و هذه الأرقام ليست كل ما يمكن أن يقال بالطبع حول موضوع الفساد و الاختلاسات و التعدي على المال العام بالسودان ، و إنما هي جملة مظاهر تبدَّت بصورة واضحة في السنوات الآخيرة و بالطبع لها أسباب و مسببات و نتائج . من أهم أسبابها كما يقول المثل السوداني الشهير ( المال السايب بعلم السرقة ) ، و ضعف الوازع الديني و الرواتب و الجشع و التضخم و مقابلة بهرجة و متطلبات ( الشوفونية ) السودانية و الأسباب كثيرة . و لكن أين الضبط و المراجعة و التعقب و الحسم الحكومي ؟ !.. لو أخذنا بمدلول و عبرة حكاية " الديك " السابقة أعلاه ،لقلنا للحكومة : لو باريتوا درب أول جنيه سوداني ( مُختلَس ) ، لما وصل السودان المرتبة قبل الآخيرة من هذه القائمة السوداء .. [[email protected]]