٭ في التسعينات دخلت شوارع العاصمة البصات السياحية.. بصات ذات سعة معقولة وكراسي مريحة.. ما يميزها عن غيرها من البصات عدم وجود «شماعة» داخلها.. الذي لا يجد مقعداً عليه «المغادرة» فوراً. ٭ في إحدى المرات أصر أحد الركاب على الوقوف شماعة.. الزول «تقّل» دمه شوية.. صاح فيه أصحاب «الكراسي»: انزل يا زول البص ده سياحي!! ٭ هتاف الجماهير المتعالي «أجبر» الرجل على «النزول».. ولكن قبل أن يغادر رمقهم بنظرة غاضبة ثم صاح فيهم: «أنا بنزل لكن انتوا إن شاء الله تكون البلد دي عجبتكم!! ٭ لا أعرف لماذا ربطت بين تلك «النكتة» القديمة التي أضحكت الكثيرين و الحوار «الجامع» الذي أجراه زميلنا الأستاذ لؤي عبد الرحمن مع جماعة «سائحون» ممثلة في شخص الأستاذ «فتح العليم عبد الحي» أمين مبادرة «سائحون». ٭ قليلة الحوارات التي تستوقفك وقلّ من المحاورين من يعطيك «بضاعة» جديدة.. فالموجود في سوق السياسية السودانية «منتهية الصلاحية» أو «فاسدة»أو«مبودرة».. ومبودر بلغة أهلنا المزارعين في «اليمن» تعني إضافة كمية كبيرة من السماد وزائدة على الحد الأدنى المسموح به!! ٭ أتذكر قبل فترة ليست قصيرة جلوسي مع مجموعة من «سائحون» في مكتبي.. أحسست بأنهم يملكون أفكاراً جديدة ولكنني سرعان ما طردت الإحساس.. «فهؤلاء الرجال جبهة» و «الكوز» الذي يشربون منه واحد!! ٭ لا أعرف هل ثبت ذلك الرأي عندي عندما رأيت حواراتهم ونقاشاتهم في الساحة وما تميزت به من عقلانية.. وبدأت معالمها في المفاوضات مع قطاع الشمال حول قضية الأسرى.. هذه المجموعة أكثر وضوحاً من التنظيمات الإسلامية الأخرى المنشقة « كالشعبي» و«الإصلاح الآن» وناس «منبر السلام العادل» وغيرها من الجماعات المنشقة!! ٭ فتح العليم بشر بتلاشي كلٍ من «الوطني والشعبي» ليفسحا المجال لبروز كيان جديد لا يضع «فيتو» على المنضمين ولا تحتاج القصة «لأسرة» أو «أمير».. خصوصاً وفي رأيه بأن الحركة الإسلامية «مافي» و الموجود كيان حكومي. ٭ ويمضي الحوار الذي امتد لحلقتين ويتوقف عند أهم نقطة جوهرية «يزوغ» منها أغلب الإسلاميين!! وهي الإدانة المباشرة والصريحة لطريق الوصول للسلطة عن طريق الإنقلاب الذي وصفه فتح العليم بأنه كيان «سلطوي».. وهجمت الحركة الإسلامية على المجتمع السوداني هجمة سريعة واهتمت بالملفات الأمنية والعسكرية أكثر من ملفات التربية والصحة ومعايش الناس!! ٭ الملفات «الثلاثة» هي التي تعطي أي حكومة قيمتها! ٭ مثل هذا الكلام «المدوزن» «والموزون» هو الذي يعطي الحياة السياسية قيمة «مضافة» وصدقية «مفقودة» ويدفع بالحوار «الغائب» للأمام!! ٭ مثل هذا الطرح يجد الاحترام لأنه يحترم الشعب السوداني الذي لا يستحق «الدكتاتورية الفكرية» المسلطة عليه، والتي لا تخلو من إرهاب وتخويف.. ويا للأسف!!