منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث: المدنيون في الفاشر يكافحون بالفعل من أجل البقاء على قيد الحياة    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يهزم مازيمبي بثلاثية نظيفة ويصعد لنهائي الأبطال    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    وصول طائرة للقوات المسلّحة القطرية إلى مطار بورتسودان    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكومة البشير باتت أمام خياري (الإصلاح) أو (الربيع المدمر) والجيش يعيش صراعه الخاص
نشر في حريات يوم 17 - 04 - 2013

ظن القيادي الإسلامي السوداني المخضرم غازي صلاح الدين العتباني أن ظل الحركة الإسلامية هو ظله.. فتحدث عن رئيس جديد، ووصف عزوف الرئيس عمر البشير عن الترشح لدورة رئاسية جديدة «تحصيل حاصل»، لأن دستور 2005 حدد للرئيس دورتين، وقد أكملهما، وبالتالي لا يصح ترشحه مرة أخرى.
ولأن العتباني يعرف «التقية» ويجيدها، فقد حاول إيجاد مخرج لما صرح به، وقال متراجعا بالإمكان تعديل الدستور، فلم يحاوره ولم يحاسبه على قوله أحد، لكنه وجد نفسه يغادر منصبه كرئيس للهيئة البرلمانية لنواب حزب المؤتمر الوطني الحاكم، حزب الرئيس البشير، لأنه تجرأ على «تأييد» الرئيس في إعلانه التخلي عن الحكم، وحاول إيجاد سند دستوري يقطع الطريق أمام رجعة محتملة عن ذلك الإعلان.
قصة العتباني تكشف للناس كم هي معقدة قضية تداول السلطة داخل الحزب الحاكم، ناهيك عن تداولها مع آخر! بدأت الحكاية ولم تنته، بتأكيد الرئيس البشير في حوار مع صحيفة خليجية مجددا، رغبته في التنحي عام 2015، وتحول الأمر لكرة ثلج تزيد حجما كلما اقترب العد العكسي من نهايته، فأعيد كتابة سؤال الرئيس البديل والنظام البديل.
يقول معارضو حكم الرئيس البشير، إن أزمة النظام هيكلية، أزمة اقتصادية مستفحلة بسبب انفصال جنوب السودان، وذهاب النسبة الغالبة من عائدات النفظ جنوبا، وزادها سوء طريقة التعامل السياسي في إدارة العلاقة مع جنوب السودان، وأدى إيقاف جنوب السودان لتصدير نفطه لأكثر من عام، إلى تراجع سعر العملة الوطنية الجنيه من (2.7) إلى (7.3) جنيه مقابل الدولار الأميركي، وعاش الناس ضائقة معيشية حادة، بسبب ارتفاع أسعار السلع، وضعفت القدرة الشرائية للمواطنين مع ثبات الدخول، وانتشرت البطالة الماحقة.
سياسيا، فشلت الحكومة في إدارة العلاقة مع الجنوب، بل وصلت بها حافة الحرب، ولولا الأزمة الاقتصادية الخانقة، وضغوط المجتمع الدولي وقرار الأمم المتحدة رقم 2046، لما وصل الطرفان إلى تسوية الحادي عشر من مارس (آذار) الماضي في أديس أبابا.
عسكريا، فإن النظام فشل في حل مشكلة دارفور سلميا، وفشل في مواجهة الحركات المسلحة، وواظب على سياسة قديمة اتبعها مع الجنوب «فرق تسد»، فأدت لانفصاله، فهل يا ترى يسوق دارفور لذات المصير؟
سياسة تقوم على استمالة جناح متمرد ومنشق عن حركة مسلحة لا أثر لها على الأرض، أو الاتفاق مع فصيل مسلح ونقض الاتفاق معه، كما حدث لاتفاقية أبوجا عام 2006، مع حركة تحرير السودان جناح مني أركو، التي عادت للتمرد مرة أخرى. ومثل اتفاقيات الدوحة مع أجنحة منشقة من حركة العدل والمساواة، أو صناعة حركة مثل التحرير والعدالة بقيادة تجاني السيسي، لتوقع على اتفاق سلام تعطى بموجبه سلطة وصولجانا.
ميدانيا، زاد نشاط الحركات المسلحة الدارفورية، وأصبحت تهدد المدن الكبرى في الولاية المضطربة، وصارت مدينة «نيالا» حاضرة جنوب دارفور تعيش هلعا يوميا، فقوات التمرد لا تبعد عنها أكثر من 25 كيلومترا، فيما تخوض الحركات المسلحة المتمردة، عمليات شبه يومية ضد القوات الحكومية، وتزعم أنها تكبدها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وينفي النظام كالعادة، ثم يعلن تحرير المناطق التي أنكر سقوطها بادئ الأمر.
وانفلت عقال حلفاء الحكومة من الميليشيات القبلية «الجنجويد»، ولم يعودوا خاضعين لأحد، وقالت مصادر ل«الشرق الأوسط»، إن المعارك القبلية التي دارت في دارفور مؤخرا، أطرافها هؤلاء المسلحون، وأن السلاح الحكومي والسيارات والآليات الحكومية تقاتل مع طرفي المعركة.
وفي جنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث ولدت الحرب السودان بين القوات الحكومية، وقوات الجيش الشعبي قطاع الشمال بمجرد انفصال، وحولت المنطقة إلى «مأساة إنسانية كبرى»، ونزوح مئات الآلاف من سكانها، وسيطر التمرد على المناطق خارج المدن، وبقاء المدن الكبيرة وحدها بيد الحكومة، وصعوبة التحرك خارج المدن دون حراسة لمسافات لا تتجاوز أحيانا العشرين كيلومترا مغامرة كبرى.
وبلغت الحرب ذروتها بطلب قوات الجيش الشعبي – الشمال الأخير من سكان مدينة «كادوقلي» كبرى مدن الولاية مغادرتها، لأنها تنوي الهجوم عليها.
سياسيا بلغت الأزمة السياسية بين الحكومة والمعارضة ذروتها، وبلغ عدم الثقة مداه الأقصى، لدرجة أن القوى السياسية المعارضة تعاملت مع دعوة النائب الأول للرئيس، والرئيس نفسه للحوار، باعتبارها مناورة جديدة تريد الحكومة بها كسب بعض الوقت.
ويؤيد ما قامت به السلطات مذهب المعارضة، فتم إطلاق عدد محدود من المعتقلين السياسيين، وتراجع وضع الحريات في البلاد، وحدثت انتهاكات جديدة لحرية الصحافة، بلغت حد أن جهاز الأمن أوقف رئيس تحرير إحدى الصحف عن العمل رغم أنفه.
بل ودخلت الأزمة «حوش» الحزب الحاكم نفسه، وبرز بشكل لافت الصراع بين صقور الحزب وحمائمه، فور إعلان الرئيس البشير رغبته في التنحي.
وخرج إلى السطح معسكران متصارعان داخل الحزب الحاكم، أحدهما تقوده من خلف ستار شخصية من القصر الرئاسي، والآخر يقف خلفه أحد الصقور الجارحة، يسعى كلاهما لحكم السودان.
وتقول هذه المصادر، إن أيدي الصقر الإنقاذي ظلت تعمل منذ وقت طويل في تهيئة الأجواء، فهي التي أبعدت رئيس جهاز المخابرات السابق صلاح قوش من منصبيه، وأبعدت القيادي الإسلامي غازي العتباني، وتعمل بكل جد للقضاء على ما تبقى من منافسين، واستخدمت ملفات الفساد بقوة بين التيارين لتصفية الحسابات.
ونشطت تيارات إصلاحية وشبابية داخل الحزب، ورفعت صوتا جهيرا مطالبا بالإصلاح، مثل «تيار الإصلاح» في الحزب الحاكم، ومجموعة المجاهدين السابقين «سائحون»، وتنادي بالتغيير الشامل وتقترب مما تنادي به المعارضة السياسية والمسلحة.
ويجلس العسكريون في الكرسي الثالث من الصراع، فالمعسكر الذي يقف فيه «أصدقاء الرئيس»، وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين، ووزير رئاسة الجمهورية بكري حسن صالح، لن يسكت على محاولات الطرفين للاستئثار بالسلطة.
ويعيش الجيش صراعه الخاص، فالضباط الذين تمت محاكمتهم بتدبير محاولة انقلابية، بقيادة العميد محمد إبراهيم عبد الجليل «ود إبراهيم»، يمثلون تيارا مؤثرا داخل الجيش يرى أن قيادة الجيش مسؤولة عن ما يحدث في الجيش والبلاد ويدعون لتغييرها.
وقدم زهاء (700) ضابط مذكرة تطالب بإصلاح الأوضاع في الجيش عرفت بمذكرة الجيش الثانية، مذكرة الجيش الأولى قدمت في فترة حكم الصادق المهدي، وكان من نتائجها أن جاء انقلاب عمر البشير، ومحاولة النظام إنكارها بادئ الأمر، ثم اضطر للاعتراف بها على استحياء في وقت لاحق.
وداخل «الحركة الإسلامية» فإن أصوات الشقاق تسمع من أماكن بعيدة، بلغ علوها ذروته أيام «المؤتمر العام» الذي عقد قبل أشهر، وخرجت بعده تصريحات غاضبة عن «سرقة الحركة» من عضويتها.
* إطفاء نيران وطن
* «خلفت ثورات الربيع العربي كثيرا من الخراب والدمار في البنى التحتية وأحدثت خسائر بشرية لافته، والمواطن السوداني لن يلجأ لخيارات لا يمكن التكهن بنتائجها». بهذه النظرة استهل الأستاذ بجامعة الخرطوم د. فتح العليم عبد الله حديثه ل«الشرق الأوسط»، متوقعا وصول الأطراف السودانية لمصالحة وطنية، لأن الدولة تسعى لتجنب تفتيت ودمار الوطن، ولمنع عودة البلاد قرونا إلى الوراء.
ويعتقد عبد الله أنه لا خيار إلا الجدية في الوصول لمصالحة لتجنب ما يحيق بالبلاد، ويرى في المصالحة طريقا وحيدا لإطفاء نيران الوطن، ويقول: «تقوم الحرب من أجل السلام، ولا يقوم السلام من أجل الحرب».
حدد مساعد الأمين العام للعلاقات الخارجية بحزب الأمة السفير نجيب الخير، عدة عوامل تساعد على «التغيير السلس»، فاستحكام عزلة النظام خارجيا، وخروج قضايا الحرب والسلام من يده، وسوء علاقته بالغرب، لا يترك مجالا أمامه سوى العودة للشعب.
ويلعب العجز عن إيقاف الحروب المستعرة في ثلاثة أقاليم دورا مهما في تعقيد الأوضاع السياسية والأمنية، ويضع البلاد على فوهة بركان، لا مخرج منه غير «الحل الاستباقي».
كما تلعب العزلة الاقتصادية، دورا ضاغطا باتجاه الحل السلس، فالحكومة بلا علاقات مع مؤسسات التمويل الدولية والأميركية، ما يجعلها خارج «الاقتصاد العالمي»، وتثقلها 42 مليار دولار دين خارجي، لم تستطع اقتسامها مع الجنوب، ولم تنجح في إلغائها وشطبها.
ويوضح أنها فقدت البترول المصدر الرئيسي للعائدات، وتبقت لها عائدات عبوره وحدها، وأن الاتفاق مع دولة الجنوب لا يقوم على أسس راسخة، لأن المشكلات التي أدت إلى الحرب بين الشمال والجنوب لا تزال قائمة، وبالتالي فانهياره وارد، وأن الاتفاق مع قطاع الشمال لن يتم دون التسوية الكلية والشاملة للقضايا العالقة بين الشمال والجنوب، تلك القضايا المفترض حلها قبل تقرير المصير.
ويشترط الأخير الاتفاق على الإطار المرجعي للحوار، وتحديد قضاياه، وأهما قضية «الشرعية»، والموقف منها، فالمؤتمر الوطني يفهما بأنها «سياسة الأمر الواقع»، فيما تفهما المعارضة بمعنى «التفويض الشعبي».
ويوضح أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم يريد حوارا باعتباره حزبا حاكما، فيما تراه المعارضة يقوم على المساواة، يتم من خلاله تحديد مفاهيم التحول الديمقراطي، وقوانين الانتخابات ودوائرها، ومفوضيتها، وألا يستخدم سلطان الدولة في كسبها.
بشأن الحوار على الدستور، فإن الخير يرى أن الدستور عبارة عن مدونة للحقوق والواجبات، وبالتالي فإن الحديث عن دستور في الوقت الذي يفقد فيه المواطن إلى الحق الأساسي «حق الحياة» في مناطق الحروب، فإن أي حوار حول الدستور يصبح بلا معنى.
ويضيف: «حال تنحي الرئيس، فمن المنطقي تنحي كل الطاقم الذي جاء معه، ليبدأ الناس بداية جديدة، وبآلية توافقية وترتيبات انتقالية، تفضي إلى وضع دستور دائم».
* النظام يتداعى يقول إبراهيم السنوسي نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي الذي يقوده حسن الترابي، إن النظام يتداعى، وإن التنافس الحاد، والغلاء والفوضى الأمنية، ترجح حدوث تغيير على طريقة ثورات بلدان الربيع العربي، ولا يستبعد حدوث تفلتات أمنية وفوضى أثناء وبعد الثورة.
ويضع «انقلاب القصر» واحدا من الفرضيات القائمة، بسبب الخلافات داخل النظام، ويقول: «نحن نرفض انقلاب القصر لكن إمكان حدوثه ليس بعيدا».
ولا يستبعد اجتياح قوات «الجبهة الثورية» للخرطوم، ويعتبره أمرا يتخوف منه البعض الناس لما قد يحدثه من خسائر.
وحول «الانتقال السلس» يرى السنوسي أن رئيس النظام وحده يستطيع إطلاق سراح المعتقلين، والحريات الصحافية، وكفالة حرية التعبير، وحق إقامة الندوات والتظاهر، بما يوفر مناخ الحرية اللازم للحوار. وللدخول في حوار يدعو السنوسي إلى إلغاء قانون الأمن باعتباره سيفا مسلطا على رقاب الجميع، وإلى عدم تجاهل الحوار لحملة السلاح، ولأن النظام لم يفعل شيئا من هذا، فإن الإسلامي المخضرم يرى في الدعوة للحوار «بالونة اختبار».
* سيلان الدماء استبعد الأكاديمي والناشط في المجتمع المدني د. الباقر العفيف «سيناريو الانتقال السلمي الحضاري» تماما، وقال إن إصلاح الحكومة ذاتيا «غير واقعي»، لأن النافذين في الحكومة ليس لديهم استعداد لقبول بعضهم البعض، ناهيك عن الآخر، وأن بعضهم مقتنع إما أن يكونوا في الحكم أو تحت الأرض، لذا سيواجهون أي هبة شعبية بعنف شديد، ما يرجح احتمال حدوث تغيير «عنيف جدا»، تواجه فيه الحكومة الغضب الشعبي بعنف تسيل جراه دماء كثيرة.
ولا يعتبر العفيف دعوة الرئيس للحوار جادة استنادا على تجربة النظام مع الاتفاقات والدعوات، بما في ذلك اتفاقية نيفاشا التي انتهت بكارثة.
وأن النظام يحتفظ بالكثير من المساجين السياسيين، ويمنع المجتمع المدني من ممارسة عمله، ويتحكم في الإعلام، وهي مؤشرات على عدم جديته، وبالتالي فإن دعوته للحوار مجرد تكتيك اعتادت الحكومة على لعبه للضغط أو خلق علاقات عامة تكسبها بعض الدعم الدولي.
* تجديد البيت الحاكم
* يقول القيادي الإسلامي غازي صلاح الدين العتباني: «المجتمعات التي ترهن نفسها للأشخاص غير خليقة بأن تحمل رسالة من أي نوع»، ويرى في اختيار قيادة الأمة عملية تجديدية حيوية، باعتبارها جهدا تربويا وتنويريا عظيما تتدافع في سياقه الآراء والمواقف والبرامج، إزاء كل قضايا الحياة السياسية وغيرها.
ويدعو العتباني الذي أبعد من وظيفته كرئيس للهيئة البرلمانية لنواب الحزب الحاكم في البرلمان إلى تجديد القيادة، وإجراء عملية تنقية وتنخيل من بين مواهب الأمة ممن يملكون مقومات القيادة، خصوصا بين أجيالها الصاعدة.
ويضيف العتباني في مقالة الذي نشرته مواقع إلكترونية، أن المشكلة ليست في الرئيس ونياته الصائبة، لكن في بعض من يجرون حسابات خاصة دون نظر إلى مصلحة عامة ودون اكتراث لنصوص القانون.
* رائحة الشواء
* ومن خصائص البيت الحاكم ينظر الكاتب والمحلل السياسي خالد التجاني النور إلى مدى جدية التوجه الحكومي نحو الحوار الشامل، وما تضمنه خطاب الرئيس عمر البشير أمام البرلمان بإطلاق سراح المعتقلين، وعلامة الاستفهام الكبيرة التي خلفها حول دوافع وحسابات الفريق الحاكم.
ويقول التجاني في مقاله المنشور في «الأسافير»، إن الإعلان الرئاسي بإطلاق سراح المعتقلين شكل دخانا كثيفا حجب الرؤية عن موقف كان ينتظر أن يأتي بخطوات أكثر تقدما تدفع عجلة الحوار الوطني للدوران والوفاء بمتطلباته.
ويرى النور أن هناك ثمة «فيتو» في دوائر البيت الحاكم ضد إطلاق حوار وطني بمواصفات حقيقية وجدية، ويضيف: «سرعان ما انقلبت الأمور باتجاه معركة كسر عظم للسيطرة على مقاليد الأمور داخل البيت الحاكم، وبدا الصراع المكتوم بين الأطراف المتنافسة داخل «المؤتمر الوطني» يأخذ شكل تصفية حسابات تارة باسم خلافة البشير، وتارة باسم محاربة الفساد في توظيف صراعي واضح، وتارة باسم توحيد التعبير الإعلامي عن مواقف الحزب.
ويحدد النور سيناريوهات ثلاثة للتغيير تتضمن قبول قادة الإنقاذ لمقترحات النائب الأول علي عثمان محمد طه للخروج من الأزمة الوطنية، بالانخراط في حوار وطني شامل، أو استمرار الاحتقان الحالي بدفع من المتشددين داخل النظام الذين يرفضون رؤية المخاطر المحدقة بالبلاد، ويصرون على الأساليب القديمة لتطيل بقائهم في السلطة، وهو ما يقود لإعادة إنتاج السيناريو السوري في السودان، أو استمرار «توازن الضعف» بين أطراف المعادلة السودانية الذي قد يقود لتآكل وتفتت بطئ للبلاد، وهو قد يفضي إلى تدخل خارجي يفرض تصوراته لتسوية الأزمة السودانية.
ويشم التجاني رائحة طبخة خارجية من مطابخ دبلوماسية غربية في الخرطوم، تزعم أن البشير لن يترشح مرة أخرى، وأنه فقط يبحث عن ضمان لتسوية ملف المحكمة الجنائية الدولية، وأن أكثر من عاصمة تريد غمس يدها ودس أنفها في الحالة السودانية.
* توازن الضعف
* كل الاحتمالات واردة، بعض أطراف المعارضة تدعو النظام لتفكيك نفسه، فيما يقف رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي وحيدا يدعو إلى «كودسا سودانية»، بينما يريد النظام احتواءها، يتسع الرفض الشعبي، والحركات الشبابية، «شرارة، التغيير الآن، قرفنا، حركات الطلاب»، تدعو لانتفاضة شعبية تسقط النظام، لكن الجميع يقفون عند المسافة نفسها من تحقيق أهدافهم، «توازن الضعف.
* الربيع السوداني عمره 50 عاما
* يطلقون عليها في السودان «الدورة الخبيثة».. انتفاضة شعبية تسقط نظاما ديكتاتوريا عسكريا، يعقبها انقلاب يعيد الديكتاتورية من جديد. هكذا يراوح التاريخ السياسي السوداني المعاصر مكانه، فيما تتراجع البلاد عشرات السنين إلى الوراء.
عرف السودان الثورات الشعبية قبل ثورات الربيع العربي بنصف قرن، ففي الحادي والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1964 ثار الشعب السوداني وخرج في مظاهرات شعبية عارمة، وأسقطوا حكم الرئيس الفريق إبراهيم عبود. خرج الجميع في مظاهرات تطالب بالحرية، وانحاز خلالها الجيش للشعب، وتنحى الرئيس عبود سلميا.
عقب سقوط «الديكتاتورية الأولى» قامت انتخابات حرة ونزيهة تمخضت عنها حكومة منتخبة ديمقراطيا استمرت تحكم لخمس سنوات، لكن صوت المارش العسكري أعاد البلاد مرة أخرى ل«الديكتاتورية»، وجاء انقلاب الرئيس جعفر النميري الذي استمر في الحكم أكثر من 16 عاما.
لكن السودانيين عادوا وأسقطوا ديكتاتورية النميري بانتفاضة شعبية وعصيان مدني في السادس من أبريل (نيسان) عام 1985، وانحاز الجيش للمرة الثانية للشعب، وتكونت حكومة انتقالية برئاسة المشير عبد الرحمن سوار الذهب، أعقبتها انتخابات أتت بحكومة الصادق المهدي المنتخبة ديمقراطيا.
تكرر السيناريو مرة أخرى ودقت موسيقى الجيش معلنة انقلاب الرئيس عمر البشير المدعوم من الإسلاميين في الثلاثين من يونيو (حزيران) 1989، وظل يحكم البلاد منذ ذلك الزمان.
الآن وفي مرحلة الربيع العربي تتشكل في رحم السودان ملامح ثورة جديدة، يرى المراقبون أنها ستكون مختلفة، تنهي «الدورة الخبيثة» وتضع البلاد أمام مرحلة جديدة، كيف ستكون هذه الثورة، سلمية، عنيفة، ربيع سوري، أم ليبي، أم يمني، أم مصري، هي الخيارات الماثلة، لكن السودانيين يرون أن في تجربتهم ما يغنيهم عن تجارب مستوردة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.