نؤمن تماماً بأنه لكل أجل كتاب، وأن الموت حق، لكن الموت والرحيل والغياب هو ما يرفضه الداخل والقلب، ولا يستطيع أن يستوعبه إلا الذين آمنوا، وقوي إيمانهم، وأيقنوا أن هذه الدنيا كما جاء في الأثر على لسان أحد الصالحين، ما هي إلا لحظة عبور من باب مسجد كان يجلس مع آخرين داخله إلى باب الخروج. وعامنا هذا الذي لم يبق منه إلا القليل، يبدو أنه سيكون عام الحزن، وعام الفرقة وعام الرحيل، توفي قبل أيام ورحل عنا الأستاذ أمين عبد المجيد أحد رموزنا الاجتماعية والرياضية والمعرفية، وقبله بأيام قلائل رحل أستاذنا الصحفي والكاتب المعروف محمود أبوناصر.. مات الأول إثر حادث حركة مثلما مات الثاني... وغاب عن دنيانا قبل أيام ثلاثة أحد صناع تاريخ بلادنا السياسي المرحوم الرائد مأمون عوض أبوزيد، رحل ونحن نغادر إلى العاصمة الاثيوبية أديس أبابا، ولم نلحق بموكب تشييعه . ووداعه الأخير، لكن عزاءنا أن أبلغنا تعازينا وحزننا عن طريق الهاتف. ولا زال عامنا الراحل يوسم أيامه الأخيرة بالحزن والفجيعة، إذ تلقيت رسالتين حزينتين صباح أمس، من الزميلين العزيزين الأستاذ يوسف محمد الحسن، مدير مركز كومون والأستاذ النور أحمد النور، رئيس تحرير صحيفة الصحافة الغراء، جاء نص الأولى كما يلي: (سبحان الحي الذي لا يموت... عمر محمد الحسن (الكاهن) في ذمة الله) وجاء نص الثانية كالآتي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم... عمر الكاهن في ذمة الله الرحمن... الدفن بمقابر الصحافة، الثامنة والنصف صباحاً،.. العزاء بالخرطوم ثلاثة شرق النادي الأهلي. يا للفاجعة ويا للحزن وأنت تتلقى نبأ وفاة صديق حميم وأخ كريم وأنت خارج أرض الوطن، ثم تتالت المحادثات، إما للتعزية وإما للتأكد من صحة النبأ، فقد استقبلت محادثة هاتفية من الأخ المهندس عبد الرحمن إبراهيم عبد الله، مدير المركز السوداني للخدمات الصحفية ،(إس إم سي) يسأل عن صحة الخبر وهو يعلم أنه صحيح لكنه لا يريد أن يصدق ذلك.... وخرجت عند السابعة صباحاً إلى بهو الفندق الذي يستضيفنا نحن مجموعة الصحفيين السودانيين والأجانب في مدينة أديس أبابا، لأبادل زملائي وأصدقائي التعازي في وفاة عمر محمد الحسن(الكاهن)، الصحفي الظاهرة الذي لن يتكرر في تسامحه وعلاقاته الواسعة المميزة مع أبناء مهنته، ومع كل ألوان الطيف السياسي والاجتماعي والرياضي، تبادلنا التعازي وتحولت القاعة الرئيسية في فندق «قيون» إلى سرادق عزاء سوداني خالص. رحم الله الأخ والصديق العزيز الأستاذ عمر محمد الحسن، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أؤلئك رفيقا، لقد رحلت عن دنيانا دنيا كاملة برحيله، وقد كان - رحمه الله- نسيجاً فريداً وعالماً قائماً بذاته.