نواب في البرلمان يتهمون الشعب بأنه السبب الأول في التدهور أو يصفقون لزيادة الأسعار.. لا اعتقد أن هناك سابقة تعضد مثل هذا الكلام في تاريخ البرلمانات.. والمشكلة ليست في هذه الجرأة القاتلة، بل أن في كلامهم بعض الحقائق !! نقول بعض الحقائق لأنه لو لم يكن الشعب كذلك لما جاءوا للبرلمان أصلاً، ففي نظام انتخابي نظيف ما كانت لهم مقاعد! الخوف والصمت بلغ بنا مرحلة إدانة المجتمع بأكمله.. ولا ندري من هو الجلاد ومن هو الضحية .. كلنا مدانون !! ٭ ٭ ٭ الشيء المحزن في (حالة) الشعب السوداني، أنه لم يعد ينفعل لشيء ولا يكترث لشيء ولا يهمه شيء.. لا أحداث عالمية ولا سياسات داخلية.يحمل في أحشائه كما هائل من التناقضات يمكن ان نضعها تحت عنوان (ثقافة الأزمة)، منها: - من أطيب الشعوب قلباً في العالم ومن أفسد المجتمعات طبقاً لاستبيانات الشفافية !! - اسفنجة ضخمة تمتص أي كمية من الأزمات: تراه في السوق العربي يسير بين أحراش ورش السكة الحديد المنهارة كمجموعات متفرقة من النمل مرشوشة بالمبيد !! - قرارات المسؤولين تتلاعب بمقدراتهم دون اهتمام لرد فعل أو رأي عام.. من أسعار السلع الضرورية إلى رسوم شرطة في عرض الشارع، أمواله منهوبة وملفات فساد مهولة !! - مراكز القوى تتصارع أمام عينيه حتى جاء زمان (وكيل نيابة في السجن ).. المفسد يتحدى وملفات الفساد تتراجع أمامه !! أخشى أن تطول فترة الفوضى بعد رحيل الحكومة!! ٭ ٭ ٭ حالة عجيبة من (اللامبالاة) سببها في نظري: - الثقافة الدينية. البندقية. الخلفية التربوية القبلية. ٭ ٭ ٭ الأخطر أن هذه البلاهة أصبحت ثقافة: - إذا عارضت الحاكم يقول لك المتدين منهم (لا يجوز الخروج عليه) .. والشباب المهزوم يقول لك (ما تجيب لينا هوا) وكبار السن يقولون لك هرباً من وخز الضمير ( ما دايرين سياسة). - يشكون مر الشكوى ويرفضون الحرية ويتحاججون بأجندة إعلام العساكر الذي لقنهم رفض الأحزاب والطائفية، خوفاً من الكلام في (الحكومة) يلعن (الصادق ) !! - جنائز تخرج من المستشفيات وغرف العمليات وإذا اعترضت يقولون لك (الموت كان مقدراً)! - إذا تحدثت عن سوء الحال يقولون لك: (يا أخي أحمد الله شوف غيرك). ٭ ٭ ٭ سبب الحجج في الفقرة الأولى هو الخوف من العساكر، وسبب الحجج في الفقرة الثانية هو الثقافة الدينية.. أمة مشنوقة بثقافاتها؛ لهذا، أصبحت لقمة سهلة للعساكر المغامرين !! ٭ ٭ ٭ معلوم أن السوداني في المستوى الفردي ليس جباناً يستطيع أن يقاتل من أجل سفة أو يقتل بني عمومته كما في جنوب كردفان بالمئات ((754 في عام واحد لأتفه الأسباب!! ولكن السوداني بالفعل جبان في الحراك القومي لا يملك دوافع لغياب صورة الوطن في ذهنه إلا من خلال: شيخ قبيلة أو شيخ طريقة أو فريق كورة! ولا توجد الوطنية الحقة إلا في المدن وحنجرة الرعيل الأول من الفنانين من إبراهيم الكاشف مروراً بوردي حتى مجذوب أونسة. ٭ ٭ ٭ لم أر نظاماً استطاع أن يفهم نقاط الضعف في الشعب السوداني كما فهمها السيد عمر البشير! جمع كل معاول السيطرة الناجعة : البندقية. ٭ الثقافة الدينية: روح ود البلد (قبيلة وطريقة). ببراعة شديدة غير مسبوقة لملم (السودان) في كفه ولكنه مع الأسف ألقاه في الخراب حتى أصبح أضحوكة بين الشعوب.. ٭ ٭ ٭ أختر عينة عشوائية من بين المارة في السوق العربي ستجد عناوين مختلفة لرواية مأساوية، واحدة تحكي قصة إنسان يلهث خلف هدف مستحيل في السوق والمدرسة والمستشفى ومكان العمل ومكاتب الحكومة !! ٭ ٭ ٭ لاحظت أن السياسيين وأنصارهم (من الحزب الشيوعي مروراً بأحزاب اليسار وانتهاء بالإسلام السياسي (الاتحادي- الأمة - الحركة الإسلامية ) ومعهم العساكر المسيّسين اتفقوا بطريقة عجيبة على شيء واحد هو النفاق بامتداح الشعب بأنه معلم الشعوب لسبب في غاية من البساطة وهو لتبرير وجودهم.. اليسار يغني لقوة الشعب رغم أنهم غير مرغوبين لدى الجماهير طبقاً لنتائج الانتخابات النظيفة، وذلك لأنه إن لم يقل ذاك سيفقد فكرة القائم على الرهان على قوة الجمهور، أما الأحزاب الحاكمة تجنح للنفاق لتبرير مواقعهم في الحكم.. هذا النفاق مضر بالشعوب يخدر ولا يساعد على التصحيح والتجديد.. لهذا نحن في السودان في حاجة ماسة لإعادة قراءة التاريخ، ونبدأ بالاستقلال ودور الشعب السوداني فيه، وهل كان في الإمكان استقلال السودان إن لم يحدث خلاف بين مصر وانجلترا؟ وفي تاريخ ثورة أكتوبر وابريل لابد من الإجابة على الأسئلة مثل : ما هو دور الجماهير في ثورة أكتوبر.. وما دورها في انتفاضة ابريل؟ وهل هناك فرق بين الثورة والانتفاضة؟ وهذا بالطبع لا يقلل من الدور الذي قام به أفراد بالمشاركة أو من قتلوا وهم يقاومون، أو هم غافلون، لأن المطلوب هنا هو المشاركة الجماعية التي لم تتحقق في الثورتين وبسبب المشاركة الضعيفة سرقت الثورة كما حدث في مصر في أيامنا هذه ! ٭ ٭ ٭ الدافع الديني هو المحرك الأول للجماهير في السودان كما حدث مع المهدي وكان سبباً في إطالة عمر (النظام) رغم أنه فشل كثورة وفشل كدولة؛ ولكن أزمة التدين في السودان أنه يشرب من عقيدة بلا ثقافة أو فكر؛ لهذا فشلت المهدية في مرحلة بناء الدولة واستحالت إلى قبلية ثم طائفية.. وقلنا من قبل إن نظام التعليم الديني في السودان يبني الوجدان الطيب، ولكن لا يهتم بالعقل ثم يأتي دور القيادات غير الرشيدة التي تدخل بالوراثة في تعميق الأزمة.. وعلى يديها تنتشر ثقافة تمجد الفقر الذي بسببه أصبحنا مدينين ب (42) مليار دولار !!