نعم عدنا للديار وما نزال نواصل... عدنا من الديار المقدسة مروراً مع التوقف بمصر الشقيقة التي وإن كانت الرحلة طلباً للاستشفاء والمراجعة الطبية، تحفنا روحانيات الديار المقدسة.. «وإذا مرضت فهو يشفين»... ودعوات الأهل والمحبين الكرام... نعم توقفنا بمصر التي شهدنا وعاصرنا فيها أحداثاً وفعاليات مهمة... فمن الانتخابات المصرية التي قابلها الشعب المصري بفتور شديد ومقاطعة شبه شعبية... وبالمناسبة حلايب دخلت الانتخابات والعبابدة بالسديري يصوتون... الى أحداث سقوط الطائرة الروسية في سيناء،، والتي أدت لضربة قاصمة للسياحة المصرية في بداية الموسم... الى أحداث سد النهضة... الى مشاكل الدولار الذي أدى للإطاحة بأشهر محافظ بنك مركزي عربي هشام رامز محافظ البنك المركزي المصري - وكانت احتفالات مولد السيد البدوي.. وحضرنا أول العام الهجري بمسجد وضريح سيدنا الحسين، وتبركنا وصادفنا بالحضور شيخ الأزهر ووزير الأوقاف.... وزرنا خفيرة مصر السيدة زينب، وفي حي السيدة زينب كان تكريم جزيرة توتي في دار السودان الواقع في شارع المبتديان الشهير، الذي عرفه العالم العربي من خلال أحداث ثورة يناير 2011 فقد وصلتنا الدعوة من الخرطوم من ابنة جزيرة توتي أستاذه هيفاء، التي كانت هي واشتياق نجمتي منتدى مونتانا الشهير بالقاهرة، وغادرتا قبل أيام قليلة من التكريم فهي ابنة أخت عراب الصكوك والأوراق المالية وشيخ علماء السودان ورئيس رؤساء الافتاء الشرعي للدوائر المالية والاقتصادية والمصرفية العالم الجليل بروفيسور الامين الضرير- طيب الله ثراه - في منتدى مونتانا الشهير في قلب شارع شريف كانت الندوات والجلسات السودانية الجميلة، وامتعها ذلك اللقاء وتلك الجلسة الختمية العفوية... التي ضمت أسرة خليفة الخلفاء وكبير تجار الطريقة الختمية- طيب الذكر-الراحل عبد الحكم طيفور.. وهم ينشدون يا سيدي الحسن يا ابو قبة لبنية... تكتب لي حجاب من رأسي لي كرعيه... فقط كان ناقصها البخور.. والختمة بالبراق.. - كانت الجلسة ساخنة بحضور الأستاذ عباس عبد الحكم طيفور مدير الدائرة القانونية للبنك الإسلامي السوداني، وعمه كوداي وأحد أفراد أسرته من طرف، وكان من طرف آخر الخليفة محمد عبد الباسط أحد كبار المقربين والمحبين لبيت الميرغني المنحاز جداً لجناح مولانا محمد عثمان الميرغني وابنه السيد الحسن المساعد الأول لرئيس الجمهورية، وكان عباس عبد الحكم منصفاً وكريماً في ذكره لمولانا والسيد الحسن، ومتحفظاً مع عمه كوداي... وكان الخليفة محمد عبد الباسط وهو الملم بأدق تفاصيل الجنينة، وقد قدم شرحاً وافياً للحضور حول ملابسات وقضايا الخلاف مابين المجموعة المختلفة مع الجناح الآخر، وكنا شخصي ومصعب الجلال نستمع بانصات واهتمام، وقد رجعت بي الذاكرة الى ستينيات القرن الماضي وأنا صغير أركب لأول مرة قطار الدوران بصحبة والدتي وحبوباتي بنات بلول في زيارة الى كسلا، حيث ضريح السيد الحسن أبو جلابية حاملين معنا الكسوة للضريح ومستلزمات الزيارة.. كانت الزيارة بقطار الدوران الذي يأتي من الخرطوم مروراًً بالعديد من محطات قرى الجزيرة مروراً بسنار التقاطع، متجهين عبر القضارف- التي كانت تشهد في تلك الأيام حكاية وخرافة الفكي أبو نافورة الشهيرة التي تشفي كل الأمراض - نعم كنت صامتاً وسارحاً في تلك الجلسة في ذكريات السنوات البعيدة، إذ لا فائدة من الحوار وفعلاً كنت على حق، فعند عودتي بأيام...إذ تلقينا تلك الأخبار الغريبة من ذلك اللقاء الصحفي الذي عقده السيد الحسن الميرغني المساعد الأول لرئيس الجمهورية.. معلناً فيه تهميشه في أداء مهامه في القصر الجمهوري ...اي تهميش يا مولانا الصغير.... مشاركة وشاركتو... وظيفة وادوك ليها... عرفنا منو اركوا مناوي كان بتاع بنشر... لا دارس لا خبرة.. أنا في اعتقادي أن الرئاسة ما قصرت... يعني دايرهم يشتغلو ليك.... يا مولانا دور الشغل وأنت الذي بنفسك تخلق العمل وتنتزع اختصاصاتك بنفسك.. أنت الرجل الرابع في القائمة الرسمية للدولة... وأود أن اذكر أنه وفي عهد مولانا السيد أحمد الميرغني- طيب الله ثراه- كآخر رئيس لمجلس رأس الدولة أو مجلس السيادة كانت هناك تكليفات للسادة أعضاء مجلس رأس الدولة فكان د. علي تاج الدين مكلفاً بملف الشؤون الافريقية.. والأستاذ الجليل إدريس البنا بملف الشؤون العربية وباسفيكو لادو لوليك بملف الشؤون الامريكية والبقية... - نعود الى القاهرة حيث كانت للصدفة دوراً مهماً في لقائي بأحد أبناء دولة اليمن السعيد، ومن الذين عملوا بالصناديق العربية، وقد كان مقيماً معنا بفترة طويلة بالخرطوم من ضمن بعثة برنامج الاستثمار الزراعي القادمة من الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي بالكويت... حدثنا عن وطنه الجريح اليمن، وحكيت له عن ذكرياتي لآخر زيارة لصنعاء في عام 2008 برفقة وزير المالية في تلك الأيام د. عوض الجاز، وتطرقنا لأحوال اليمن بحزن شديد، وقال لي يوم غد ومن القاهرة هنا سنكون في وداع جثمان أحد أبناء اليمن الكرام د.عبد الكريم الارياني الداهية العظيم، كيمائي صنع خلطة سياسة اليمن الخارجية... تعد وصيته بأن يدفن في صنعاء رقم خصومته مع المسيطرين عليها حالياً.... مؤشراً مهماً ورسالة لكل اليمنيين وكل المبتعدين عن أوطانهم... بأنه ليس هنالك أغلى من الوطن ومؤملاً أن تفصح دموعهم المتناثرة في وداعه عن رسالة الى المتقاتلين بأن يكفوا عن سفك الدماء. - قال لي بكل مرارة وهو يودعني في تلك الجلسة المسائية بقهاوي ميدان عرابي أمام سوق التوفيقية والشتاء بدأت نسماته الجميلة تضفي سحراً وجمالاً على ليالي القاهرة... قال لي اليمني د.مسعد ابن صالح الخبير بالصندوق العربي - كان الارياني من أبرز رجالات النظام السياسي والحزب الحاكم حتى عام 2001 والذي ترك فيه آخر منصب حكومي تنفيذي كرئيس للحكومة وانتقل بعده الى منصب المستشار السياسي لمنصب الرئيس... كان الارياني لسان علي صالح ومبرمج أفكاره، وتواصله للعالم وأدار باقتدار كافة الملفات الشائكة في العلاقات الدولية، وجعل التوازن والاعتدال منهجاً ثابتاً، واستطاعت اليمن بموجبه أن تستفيد من المعسكرين الشرقي والغربي، دعماً اقتصادياً وتسليحاً وظل الايرياني على إخلاصه لعلي عبدالله صالح حتى تبين له عقب انتفاضة الشباب 2011 أن الرجل لا يستطيع البعد عن السلطة وأنه ما يزال سبباً رئيسياً في حياكة المؤامرات وارباك النظام السياسي... وتحالف صالح مع الحوثيين فرفض الايرياني كل ذلك مبتعداً عنه احتراماً لتاريخه الناصع، وحرصاً على تضميد الجراح... نعم يوم غدٍ يغادر جثمان الارياني القاهرة ليدفن في صنعاء رغم خصومته للمسيطرين عليها... نعم ليس هناك أغلى من الوطن العزيز ...دنيا،،،، ت/0912366709ت/0912304336