واليوم أمشي حافياً خاشعاً في محراب تراب وطني الجميل.. اليوم أقف إجلالاً محيياً.. مباركاً العيد لأبناء وطني.. أحبتي.. أهلي وعشيرتي وهم عموم أهل السودان.. ولا أجد من الحروف أنبلها وأكرمها وأزهاها غير كل عام وأنتم بخير والوطن بخير.. والعيد «مبارك» عليكم.. وأرجو من كل فرد من أفراد أمتي العفو لله والرسول.. أنا بكم أعيش ولكم أحيا.. وفي سبيلكم لا يهمني على أي جنب يكون في ذواتكم النبيلة مصرعي.. حاولت جهد المقلِّ أن أكون لسانكم الصداح.. حاولت جهدي.. أن تكون حنجرتي هي صوت صراخكم من سياط الظلم وتطاول عهود ليلكم الطويل.. بكيت حتى أعشى عيوني البكاء والمحن والبلايا والرزايا.. تتساقط عليكم مطراً وابلاً هاطلاً بلا انقطاع لا يماثله تدفقاً غير دموعكم الغالية العزيزة على روحي ونفسي.. وعصبي.. وأنفاسي أنتم وحدكم من تختص بكم وتحيط بكم الابتلاءات.. لم نسمع يوماً واحداً بل لمحة عابرة أو لحظة شاردة.. أن واجه المترفون.. أي ابتلاء.. لم يطرق آذاننا يوماً واحداً.. أنين مسؤول يشكو قسوة وبأس الابتلاء.. نعم إن الابتلاء من الله رب العالمين رافع السماء بلا عمد ولكن تبلغ الروح الحلقوم وتطفر الدموع من العيون.. بل تكاد تخرج العيون من الجفون.. وبلاء وابتلاء يسببه بشر لبشر.. إنسان لإنسان.. حكومة لمواطن.. أحبتي.. أهلي بني وطني.. ويأتي رمضان الكريم.. يعقبه عيد الفطر المبارك... ثم يأتي عيد الفداء أكبر الأعياد وفي كل أرض الله الواسعة وفي كل أركان الدنيا الأربعة.. تهل هذه الأعياد.. وتحتشد الصدور بالفرح والأهازيج والتراتيل وفي «قبل الله الأربعة» يوافي الناس العيد ويلوح البشر والطرب في كل فضاء الكون.. تزدهي أيام الأعياد بمواسم الفرح الخضراء في كل شبر من الكوكب تشرق الوجوه بالسلام والمرح والابتسام إلا في وطننا هذا الحزين.. رمضان عبء علينا.. نجاهد في بسالة.. ونكافح في شراسة ونقاتل في بأس.. لإيجاد حبيبات من السكر.. الذي يصبح في رمضان ذخيرة حية كثيفة البارود وذات نيران هائلة يصوبها في مهارة تجار الاحتكار الأوغاد في قلب هذا الشعب الصابر الممكون والمسكين... وتنفجر السماء أنهاراً وظلالاً، وأضواء العيد تتلألأ في سماء الدنيا.. وعبء جديد.. و«شيل هم» أكيد، يغتال ضيق ذات اليد الابتسامة.. في وجوه وثغور أطفالنا الذين لا يبتسمون إلا مرة كل عام وفي العيد.. وحتى الابتسام فقد أضحى هماً وتنكيداً.. وتأتي «الأضحية».. وتنفجر الأسعار في دوي يصم الآذان.. لا أعني أسعار الأضاحي.. بل أسعار كل المواد.. التي لا تستمر وتدوم وتتواصل الحياة إلا بها... كل ذلك تحت سمع وبصر ومعرفة وعلم الحكومة.. التي تتفرج على تلك المعركة غير المتكافئة بين أنياب وتروس وأسنان ووحش الرأسمال.. والمواطن الفقير الأغبش المسحوق.. وقبل أن تسأل نقول نحن نؤمن بالقدر خيره وشره.. نؤمن في يقين لا يزعزعه شك وثقة لا يخلخلها ظن.. أن الابتلاء هو من عند الله تعالى جلت قدرته.. يمتحن به عباده.. يصبر من يصبر ويفزع من يفزع ولكن ما بال المترفين لا يبتلون... أليسوا مسلمين.. وتأتي الإجابة ساطعة وقاطعة.. إنهم من يظلمون.. ويقترون ويمنعون ثم تنطلق أصواتهم.... بأن هذا محض ابتلاء. أحبتي أعرف أن هذه الأيام.. أيام أعياد ومواسم تكبير وتهليل.. لا أريد أن أفسد عليكم... روعة أماسيكم البيضاء... وعظمة نهاراتكم الجميلة ولكن... بت أسأل نفسي.. إلى متى هذا الضنك من الحياة.. متى نبتسم.. متى يرفع الله عنا البلاء... متى يبدل الله عسرنا يسرا.. إذن دعونا.. نرفع أكفنا بالضراعة والاستجداء لرافع السماء.. بأن يعود العيد علينا وقد تبدلت ليالينا وأيامنا. فرحاً وأملاً وسعداً نسأل الله مالك الملك أن يعود العيد علينا وقد انزاحت تلك الصخور الثقيلة... الجاثمة على صدورنا لنحس بانسياب «النفس».. ليطلع وينزل.. ونحن نرفل في ثياب السعادة والفرح والسلام والأطمئنان.. نسأل الله جلت قدرته أن ينتقم لنا من كل من أحال صبحنا إلى ليل من التعب.. نسأل الله فالق الحب والنوى أن يعود العيد علينا. والحق يعود لكل مفصول ظلماً وعدواناً كيداً وقهراً إلى عمله معززاً كريم النفس موفور الإنسانية.. نسأل الله أن يعود العيد علينا وكل معاشي قد انضم مرة أخرى لقافلة «البني آدميين» التي أفتقدها طويلاً.. وهو يهيم في طرقات البؤس والشقاء.. آمين..