كل بؤس السودان الحالي يمكن أن تشاهده خلال خمس دقائق بالقرب من مستشفى بحري القديم!! بائعة الشاي سلطة قائمة بذاتها رغم أنف قوانين المحلية والنظام العام!! تحجز لنفسها مساحة أرض كبيرة وعليها كراسي مرصوصة للزبائن فقط وخلال دقائق تقوم بطرد جميع «السكان المحليين» وترغي وتزبد بأعلى صوتها ولا أحد يتحدث، هي صورة مصغرة لصراع السلطة ما بين المركز والهامش وزمن السكوت علي كل شيء!!. ضحكت حتى الثمالة وصاحب مطعم الطعمية يمنع الناس من أن تلامس أرجلهم المتسخة الطرابيز القديمة لأن ذلك ربما يؤثر على الصحة وهو في الوقت ذاته يبيع طعمية مكشوفة للغبار ولكل كائن صغير طائر يمكنك أن تراه بالعين أو لا تراه!! هي حالة تشبه علاقة مثل هذا المطعم بسلطات الصحة في بحري، فهي قد ترى هذا المطعم أو لا تراه فالأمر سيان ما دام الجميع يبيع أكلاً «مكشوفاً» و«مشكوكاً» في صحته ويسددون الرسوم الحكومية بارانيك مختلفة الألوان و«الدروب»!! حالة ثالثة أمام باب الطواريء رجل بملابس مدنية يمسك صافرة في فمه «وينظم» في حركة المرور والغريب في الأمر أصحاب المركبات والمارة يلتزمون بتوجيهاته عن طواعية كما أنه يؤدي عمله بحرفية عالية و«إنتشاء» والأغرب من ذلك أن هذه الوظيفة «الأهلية» تمارس بالقرب من مكتب المرور في بحري! مدير مستشفى بحري قال إنه ما بنوم «الليل» بسبب تعثر سداد مديونية المستشفى البالغة 3 مليار جنيه وفي الوقت ذاته تبلغ مديونية المستشفيات على وزارة المالية 6 مليار جنيه..! من يحل هذه المعادلة؟... المدير كان يشكو حاله في جولة للوكيل الذي زار المستشفى.. في اليوم ذاته أنا كنت موجوداً في المستشفى ولكن في مكان آخر داخل حوادث بحري!! الزحام على أشده على الموظف الذي يمسك بايصالات المرضى الذين يطلبون صور أشعة!! الصف طويل ولكن للأمانة المكان أضحى يحمل طابعاً حضارياً من حيث النظام والنظافة والانضباط ولكننا نخشى من سماحة «جمل الطين»!! قال الموظف المسكين بسبب الضغوط «الجانبية» من ذوي المرضى ماذا نفعل؟ ضحك عندما أتهمه أحدهم بأن هناك محسوبية في الدخول!! قال «أصحاب الواسطة» لا يأتون هنا!! أعمل الصورة برة عند القطاع الخاص والفيلم ب 50 جنيهاً!! قال لي المكنة الشغالة واحدة ويوجد أكثر من 12 فني لا يعملون شيئاً هذه الماكينة عليها ضغط رهيب هي تستقبل كل الحالات الواردة لمستشفى بحري ابتداء من شمال الجيلي وحتى كبري المك نمر وشرقاً حتى شرق النيل وكان الله في عون هؤلاء المنتظرين إذا وقع حادث حركة على طريق التحدي أو الكدرو أو الحاج يوسف أو جاءت حالات طارئة من أقسام العمليات. خرجت للخارج وأنا أقول كان الله في عون أهلنا في الريف ونحن نتحدث عن مستشفى بحري. خرجت ودوي صوت الإسعافات يرن في الآذان ومعها كل هذه النماذج التي ذكرتها وبعض من الأسى وكثير من الإشفاق إن لم أقل الحزن على هذا السودان!.