حكى لي أحد المغتربين العائدين من دول أروبا أن أحد المسلمين العاملين في إحدى الشركات... كتب خطاباً توجه به الى مديرة في تلك الشركة يطلب فيه منحه إجازة ستة أيام خصماً على عطلته السنوية وقد وافق مديره ووقع على طلبه، وبعد ذلك لم يتغيب عن عمله طيلة الأيام الستة التي طلبها !! وقد لاحظ المدير تواجده ومواظبته على عمله ولم يسأله حتى انتهت الأيام الستة ثم استفسره عن سر ذلك؟ فقال له: منذ أن بدأت العمل معكم قبل عامين؛ كنت أسجل في دفتري كل دقيقه تأخرتها أو صليت فيها أو دخلت فيها الحمام، وقد بلغ عددها مايعادل دوام ستة أيام فأردت أن أتحلل منها وأوفي حقها، إرضاء لربي، وراحة لضميري، وإتقانا لعملي، حتى القى الله وليس على شيء، فلم يتردد الخواجة في أن يعلن إسلامه ويرقي عامله (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)، تذكرت هذا وأنا أرى الكثير من العاملين بالدولة، وللأسف أن الإسلام دينهم، ولكن اسماً فهم يجيدون الخدع ويختلقون الحيل ويتفننون في الزوغان والمراوغة بطرق كثيرة ومتنوعة، فمنهم من يتخذ أرانيك المرض بلا مرض، ومنهم من يقتل أقاربه وهم أحياء، ومنهم من يدعي أن هناك مشكلة أسرية طارئة استدعت تخلفه وغيابه، لأنه لا حل لها إلا بوجوده، والمحزن أن بعض الأطباء يساعد على ذلك، وأن المسؤولين عنهم بلا ذكاء يلاحظون به تكرار هذا الاختلاق. أما عن زمن دوام العمل في اليوم فحدث ولاحرج، وصول متأخر وخروج مبكر، وما بينهما يرقد الجحيم المنتظر، أوقات أثناء العمل تفوق الغرض فوقت الصلاة، يعادل طوافاً بالبيت الحرام، ووقت الحمام يحفر سايفونا آخر، ونقاش السياسة يسير الدولة شهر، والإنس الجانبي يستمر حتى استلام المرتب والمرتب لهؤلاء قال عنه أهلنا في الزمان الماضي (حقك في إبطك وحق الناس فوق رأسك)، بمعنى أنه إن أردت أخذ ما فوق رأسك سقط مافي إبطك.. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:«يذهب الحرام من حيث أتى»، لذا ما أكثر الضنك وشظف العيش، وما أكثر الشكوى وعدم البركة، وما أكثر الذين يرددون: «والله أنا ما عارف المرتب دا ذاااتو بمش وين»، ولو أنهم تفكروا وتدبروا في أمرهم لعرفوا السبب ولبطل العجب، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» فإذا أتقنا عملنا أحبنا ربنا، وما أكبره من مكسب لدنيانا وأخرانا، ولو أن كل واحد منا أتقن عمله لتحقق أمله، وتحسنت حالته، وتيسرت أموره، وبارك الله في أجرته، فقلة الإنتاج لازالت هي المشكلة التي تواجه بلادنا حتى جعلتنا نستورد كل شيء ممن هو أقل منا إيماناً ومساحة، حتى الحبوب على الرغم من مساحة أرضنا التي هي بمثابة القارة وما أكثرمصانعنا وتنوعها، ولكنها لا تفي بحاجتنا، ولا يرجع ذلك كله إلا لتلكؤنا في عملنا، وعدم إخلاصنا فيه، وسنظل في فقرنا وشكوانا وما العيب إلا فينا نصنعه بأيدينا فيؤذينا ولسنا في حالنا نفكر، ولا لغيرنا نذكر، عقولنا في إجازة، وأجسامنا في جنازة، فمتى نصحو لنحيا، ومتى نخلص في أعمالنا فنحقق آمالنا، ونلحق بركب من جاء من بعدنا، فوصل بلا تعب وتنعم بلا نصب... متى؟!!