بناية من ثلاثة طوابق أمرُ أمامها في طريقي إلى مكان العمل صيفاً وشتاءً، ويجلس أمام الباب رجل أربعيني يرتدي دوماً جلباباً ناصع البياض ألقي عليه السلام ويرد التحية يقرنها (ممكن أشوف عناوين الجريدة البارزة)، وكثيراً ما أتركها له لأنني كثيراً ما أكون انتهيت من قراءتها في مكان الشاي، وكثيراً ما أحاول التلكؤ لأعرف سر هذا الرجل الذي يجلس أمام باب العمارة في هذا البرد القارص، مظهره يوحي بأنه مالك لها، وفي إحدى المرات سألت جاره صاحب البقالة عنه فشعرت أنه يتهرب من السؤال ويتعمد تغيير الموضوع، وفي صباح برد قارص لم أجده في مكانه، سمعت ضجيجاً حاولت التلصص بأذني وعيوني عبر الزجاج الذي يحجب نظر من في الخارج، ولكن من في الداخل يراك، فتح الباب فجأة وقال: لماذا لا تطرق الباب؟ قلت حاولت الإطمئنان عليك لأنني لم أرك جالساً في مكانك، ربما لن تراني بعد اليوم، وقلت إن شاء الله يكون خير، هذه حكاية طويلة عندما تنتهي من عملك مُر علي وسوف أحكي لك، زوجه أبوه بفتاة لم يرها من قبل، كانت ابنة شريكه في مشروع تجاري، بعد بضع سنوات وقعت كارثتان في وقت واحد، لقيت الزوجة تعسراً شديد في ولادتها لطفلها الثالث، وحاق الخراب للمشروع التجاري لتذبذب سعر الدولار، كان أثر هاتين الصدمتين عليها شديداً، فاختل عقلها، وكان الشكل الذي اتخذه هذا الاختلال هو الغيرة، لذلك كانت اتهاماتها الهستيرية له بالخيانة كل يوم تزداد عنفاً، نصحه الطبيب بعدم إرسالها إلى المصحة، لقد أصبح ينبض قلبه بالحاجة للراحة والحنان والدفء، وهذا ما لم يجده في البيت الذي أصبح زرعاً لهموم الحياة واستنباتها، حتى الإبتسامة اختفت من وجه الصغار، لذلك أصبح يؤثر على هذا كله البرد القارص والريح، قلت بسيطة وانفرجت أساريره وقال: تعرف فكي كارب؟ قلت: موجود، (أنت ذاتك) أصبر عليها حتى تنال الأجر من الخالق سبحانه وتعالى، المرأة في حاجة دائماً إلى كلمة حب، إلى حنان، إلى لمسة دافئة من وقت لآخر، رمقني بنظرة أديها حنان عشان ترد علي بجنان، شوف ليك شغله أقضاها، يازول أنا ماشي أغترب.