أول ما ينتاب المرء هو الإحباط، بعد فشل جولة التفاوض بين حكومة المؤتمر الوطني والمعارضة السودانية.. وما يثير الشفقة على حال البلد- حكومة ومعارضة- أن يوقّع أمبيكي على (وثيقة الحل) كما لو أنه البديل، الذي (حلّ محل الفاعل بعد حذفه).. حكاية هذا الامبيكي مع السودان حكاية عجيبة، فهو الوسيط الدائم (على طول)..! وما من شك، في أن هذه هي إرادة المجتمع الدولي ..هذه هي مصلحة المجتمع الدولي.. وفي النهاية الحكاية مصالح ..قد نرى أن موقف المعارضة هو الصحيح، لكن هذه المعارضة، ليست قادرة على التغلغل في أوساط جماهيرها، أما هذا النظام المحظوظ، فقد أتيحت له الفرصة تلو الأخرى، كي يخرج من أزماته، فلم يحرِّك ساكناً،غير أنّه يتمنّع، و يظل متمترساً في موقفه، فاضحاً بذلك، إنّ قوىً دولية مؤثرة توعز له بجزرة ما،، أم هو تسويف ومماحكات..!؟ هذا أو ذاك، يفضح دون مزايدة، تلك علاقة مشبوهة بين النظام، وما يسمى بالمجتمع الدولي.. لقد وقع الحزب الحاكم مع أمبيكي على الوثيقة، بدافع الكيد السياسي .. كأن ذلك التوقيع يُحرج الحركات المسلحة التي رفعت السلاح، أو كأن المعارضة المدنية، سوف تغطي دقنها، حين ترفض الدخول في حوار الوثبة..! قوى المعارضة ترفض الوثيقة لأنها ناقصة ومعيبة، فعلى ماذا وقّع سمسار البيعة..؟ هل لتجزئة الحل، أم أن هذا هو فهمه لمعالجة جذور الأزمة ..؟ إن ما حدث وما سيحدث بعد مفاوضات أديس الأخيرة، تدفع ثمنه المعارضة بابتعادها عن العمل في أوساط الجماهير.. ما حدث وما سيحدث، أن القوى الدولية المؤثرة لن تفرِّط في(نظام زي ده)..هذا النظام غير قادر على اعتماد إرادة سياسية توقف الحرب وتؤسس لمشاركة شعبية واسعة في حكم السودان، فهو لا يفهم الحوار، إلا كونه وثبة تتحقق بها فكرة (الوعاء الجامع).. لقد اجتمعت الركائب، تفاوضت، وتحادثت،، لكي (تصاغ )المخرجات، بما يُرضي الحزب الحاكم.. فشلت المحادثات، فهل يتنازل أمبيكي عن(حقه) في التوسط بعد توقيعه ذاك..؟ فشلت المحادثات، لكن من غير المضمون، ألا يكون أحدُهم (قد تواصل مع الحزب الحاكم، من وراء حجاب ملبياً نداء الوطن)..! من يضمن (الموية تحت التِّبِنْ)..!؟ لا يقولن أحد أن هذا لن يحدث، فقد جرّبناه كثيراً..! لقد فشلت الجولة، فهل يعني ذلك العودة الى مربع الحرب .. هل الاقليم، والمعارضة، والحكومة نفسها، قادرة على ذلك..؟ هل يسمح بذلك، حال البلد والناس..؟ المعارضة بشكلها الحالي، لا تقترب من المعاني الكبيرة للمعركة.. إن توقيع أمبيكي إلى جانب الحكومة، يبدو كمحاولة لتخويف البلد بنذر حرب شاملة، و بزيادة سرعة الانحدار نحو الصوملة.. كيف سُمح له بالتوقيع على وثيقة رسمية، فهو ليس سوى (وسيط)..؟ إنّ أمبيكي مهما علا شأنه، فهو لا يعادل رفض الرافضين، ولن يملأ الفراغ السياسي القائم بين أطراف الصراع.. له أن يعلم أن السودانيين، غير ما يظن..عليه أن يعلم، أنه قد يقطع الطريق على نفسه بمثل هذه (الحركات) .. ليعلم السيد أمبيكي، والذين من حوله، أن شعب السودان قد تجاوز حالة تخويفه بالحرب، فهي أصلاً مشتعلة، في دارفور والنيل الأزرق، وفي قفر الشرق وفقره، وقريباً في سدود الشمال ...ومع ذلك، قد تجد لأمبيكي ألفَ عُذر..! إن الكيانات التي تفاوضت مع الحكومة مؤخراً، ليست هي كل المعارضة.. لقد تفاوض النظام مع حركات دارفور والحركة الشعبية وحزب الأمة... هناك أطراف أخرى... ربما فطن الأمبيكي إلى تكاثر هذه (الفرضيات)، من حركات مسلحة، وأحزاب، ومنظمات، فتساءل في قرارة نفسه :( إن كان حجم العمل المعارض بهذه الكثافة، كيف بقيت الإنقاذ فوق رؤوس السودانيين ، ل 27 سنة)..؟!