في الحلة الجديدة بالخرطوم وفي محطة المواصلات.. وقف ذلك الشاب الأنيق. وظل يتحدث (بحرقة) عن طريق موبايله الجلاكسي بطريقة تشعر كأنه غير مهتم بمن حوله من شدة الإنفعال.. قائلاً: ( وأيه كمان حكاية التأمين دي يا حمدي) أنا والله دا لوقتي بقيت أخلي العربية في البيت. مفضلاً عليها المواصلات، ومالنا ومال الخط المعلق. قال إيه... دية بمئات الملايين قال...!! عزيزي القارئ الكريم، هذه هي إحدى الصور في الشارع العام، والتي قابل المواطنون بها قرار رفع قيمة الدية، والذي بدوره بداهة سيضطر الشركات أن تقوم برفع قيمة تأميناتها- وقد سبق لي أن نشرت مقالاً في هذه الصحيفة، وفي ذات الخصوص أوضحت فيه المضار التي سوف تنجم عن هذه الزيادات وخطورتها، التي تكمن في أنها ستنتقل إلى المواطن البسيط وهو يستخدم المواصلات، فتزيده تعاسة وهمَّاً- وقبل أن ندلي برأينا في وضع الحلول لهذه المعاناة فأعتقد أنه من الأفيد لنا الرجوع إلى ما كان يتم في هذا الشأن سابقاً وبعدها نبني عليه، إذاً إلى هناك- أكتب وأمامي الآن مذكرة تتحدث عن (قانون الحركة) للعام 1960م والذي يؤمن العربة الملاكي (بإثنين جنيه) وينص البند الخامس منه، بأنه لا يجوز للمركبة أن تسير في الطريق ما لم تكن مؤمنة تأميناً يغطي مسؤولية السائق نحو الإصابات الجسمانية للغير وممتلكات الدولة، وأنه لا يجوز ترخيص أي عربة ما لم تكن تحمل شهادة تأمين أو ضماناً لما جاء به، ومن هذا المنطلق نشأ التأمين الإجباري، وفي العام 1973 عدل قانون الحركة ليشمل التأمين والمسؤولية المدنية تجاه الطرف الثالث، إن كان دولة أو فرداً.. وبذلك تغير اسم التأمين ليعرف بتأمين المسؤولية المدنية تجاه الطرف الثالث، والذي يعرف (إصطلاحاً) اليوم بالتأمين الإجباري ويغطي لصاحب العربة تجاه اي حادث يكون هو متسبب فيه تجاه الطرف الآخر، كالدية وعلاج الإصابات الجسمانية التي تحتاج لعلاج أو مصاريف، مع نسبة العجز في الأطراف وتلف الممتلكات (للغير)، كالعربات والمباني أو أي نوع من الممتلكات مهما كانت قيمتها، ( لكنه لا يغطي إصابة أو وفاة المؤمن له أو ممتلكاته وما موكل إليه، أو الشخص الذي يقود السيارة، أو من بداخلها اللهم إلا أن تكون الوثيقة تشملهم)- أما النوع الثاني من التأمين المسمى بالشامل فقيمته عبارة عن 3% من قيمة السيارة (وتلك تحددها لجنة الشركة بالمعاينة للعربة قبل بداية التأمين). وهو تأمين يغطي المسؤولية (كاملة)، وأيضاً الضرر الذي يصيب الطرفين من كل النواحي.. لذلك يستخدمه كل من إستطاع إليه سبيلاً، أحبتي القراء.. أما قانون التأمين المعدل لعام 2003م واستمر قبل هذه الضجة الحالية فقد وصل التأمين الإجباري فيه للعربة الملاكي مبلغ 115 جنيهاً لا غير، وحسب متابعتنا لهذا الموضوع في كل جوانبه مع جلوسنا للكثيرين من لهم علاقة وخبرة بهذا الأمر- فقد اتضح لنا إن قرار رفع تلك القيمة إن تم تطبيقه (بقيمته التي فرضت) فستكون مضاره أكثر من نفعه. وربما يرجع الناس لاستخدام الدواب (على أسوأ الفروض) أو الاستغناء عن التحرك. وما أظن أن ذلك سيرضي ولاة الأمر فينا. وهم من كان دوماً عهدنا بهم، تسهيل الأمور وليس تصعيبها، لذا نقول لهم: الرجوع إلى الحق فضيلة، وأرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. وسلام بالبداية والختام