أصبحت ظاهرة عزوف الفتيات عن الزواج من أكثر الظواهر المثيرة للجدل في المجتمع السوداني، فكثير من الفتيات يرفضن فكرة الإرتباط المبني على العاطفة أو الذي تسوقه الأقدار سوقاً إليهن، متمترسات بحجج قوية وثابتة، فمعظم هؤلاء الفتيات قد صارعن ظروفاً صعبة كان القاسم المشترك فيها الرجل، فهو إما أب انهزامي يرفض معارك الحياة ومواجهة قسوتها، مفضلاً القبول بتسويات مؤلمة مثل الخنوع وتقبل المساعدات والدعم من داخل الأسرة وخارجها، تاركاً بذلك أفراد أسرته يواجهون الإحساس بالدونية والتطفل أو أزواج أقارب وصديقات أعلنوا حالة البيات الشتوي سراً وفضلوا الإعتماد غير المعلن على الطرف الآخر. وعادة ما يكون هذا العزوف بنسبة عالية وسط الفتيات صاحبات الدرجات العلمية المتميزة والمرتبات العالية واللاتي لم يحظين بنسبة من الجمال أو أسرة مرموقة اجتماعياً، لأن هذين العاملين قد يساعدان في الحصول على زوج ذي مواصفات ترضي طموحات هذه الشريحة من النساء المستنيرات، والفتيات الآن يرددن عبارات مثل (أنا عندي بيت وعربية ولكني لن أتزوج رجلاً اتكالياً، يضع على كاهلي مسؤولياته)، أو (نعم أنا مقتدرة اقتصادياً لكني لن أتزوج رجلاً يحتاج أن أقومه وأسد ثغور سوق ما طاق لها سداً).. وفي خضم ذلك الصراع توأد المشاعر وتتقزم الأحلام وتبعد الشقة بين الواقع والخيال، والمهم أن هذه الشريحة من الفتيات يتجاهلن تماماً أن معظم حالات هذه النجاحات تأتي نتيجة فشل عاطفي أو غبن اجتماعي يجعل هؤلاء الفتيات يفضلن التركيز على الجانب العلمي أو العملي أو حتى تفوق أكاديمي أو مهني لا يعني بالضرورة تميز الشخصية أو تجاوبها اجتماعياً لأسباب كثيرة كأن تكون بخيلة في عواطفها كما هو الحال مع مالها أو سلبية أو انهزامية أو أن عينها الثاقبة عيوب الآخرين قاصرة عن النظر في عيوب نفسها، وهنا لا أريد أن انتقص حق هذه الشريحة الواعدة بالعطاء والتميز الذي نحن أحوج ما نكون اليه في مجتمع نسائي يشكو من الدونية وندرة الإبداع، بل أريد أن ألفت انتباههن للتعمق في أنفسهن ومعالجة الخلل بها قبل أن تضيق فرص الاختيار ويصبح (راجل المرة) صاحب المركز والنفوذ، البديل الوحيد فيكابدن ويلات الفقر العاطفي والوجداني بدلاً عن ويلات الفقر المادي في حال استطعن الإفلات من قبضته.