في أواخر العام 2010م وبداية 2011م انطلقت شرارة ثورات الربيع العربي التي يقودها الشباب وبدأت بتونس التي فجرها الشاب محمد البوعزيزي ومن ثم عمت بقية الدول العربية مصر وسوريا وليبيا وغيرها مما أدى لزعزعة الاستقرار في المنطة العربية ومازالت تعاني منه تلك الدول إلى يومنا هذا. وهنا في السودان ربما استشعرت الدولة خطورة الموقف, وتداركاً للخطوة بدأت بالاهتمام بشريحة الشباب واستحدثت رؤية جديدة بتحديد عاصمة للشباب السوداني تتحول كل عام لحاضرة إحدى الولايات, ووقع الاختيار لحاضرة ولاية شمال كردفان لتكون أول عاصمة للشباب في العام الماضي, إلا أن الخطوة لم تجد حظها من الانتشار, وربما يعود ذلك الى انطلاق نفير الولاية الذي طغى على كل حدث فيها, وفي نهاية العام اجتمع وزراء الشباب والرياضة لاختيار العاصمة الثانية للمشروع وبعد منافسة حامية للولايات وبعد الدفوعات التي قدمتها ولاية نهر النيل وقع الاختيارعلى مدينة الدامر حاضرة الولاية لتكون النسخة الثانية من المشروع . الإعداد: بعد هذا الاختيار دخلت الولاية في تحدٍ كبير لإنجاح المشروع خاصة وأنه يستهدف الفيئة الأكبر بالبلاد والتي تمثل 75% من السكان حسب آخر تعداد سكاني ، وشكلت رئاسة الجمهورية لجنة عليا برئاسة نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن وعدد من الوزراء الاتحاديين ووالى الولاية ونائبه ،وشرعت اللجنة في الإعداد للمشروع ونظمت نفير الولاية التي حصد لها مبلغ 110 مليار جنيه بجانب الدعم الاتحادي واستمر الإعداد ووضع الخطط لأكثر من أربعة أشهر لتخصم من الفترة المحددة للمشروع إلى أن تم تحديد السبت الماضي بداية الانطلاق وتدشين المشروع . خواطر: وبعد أن تلقينا الدعوة من حكومة الولاية لتغطية فعاليات تدشين مشروع الدامر عاصمة للشباب غادرنا إلى هناك برفقة عدد من الزملاء وأبناء الولاية بالعاصمة, وكالعادة تأخرنا عن الموعد المضروب للسفر لأكثر من ساعتين وحط رحالنا في مدينة عطبرة مع غروب الشمس, وطوال المسافة بين الخرطوموعطبرة ظللت أحدث نفسي بأن ولاية نهر النيل من الولايات التي تحتاج لدعم حقيقي في التنمية والبنيات الأساسية بالرغم من أنها الأولى في صناعة الأسمنت الآن, وذلك لم يكن له الأثر الإيجابي في العمران والتنمية وتساءلت هل سيكون هذا المشروع بمثابة ليلة القدر للولاية ويعود عليها بالنفع الذي نرجوه لها وتبادرت إلى ذهني المشاكل والتحديات التي ظلت تواجهها الولاية خاصة بعد نشاط التعدين الأهلي والحدود المفتوحة مع دول الجوار وانتشار التهريب والأسلحة والمخدرات وهجرة أبنائها وغيرها من القضايا المسكوت عنها. حكومة ومعارضة: بعد أن نزلنا في فندق الدرة التابع للشرطة والذي افتتحه مدير عام الشرطة الفريق هاشم عثمان الحسين في السابع عشر من مايو الجاري، الانطلاقة كانت بمؤتمر صحفي دعا له والي الولاية محمد حامد البلة لإعلان الدامر عاصمة للشباب، واحتشدت له كل حكومة الولاية والإدارة الأهلية, وحرص ود البلة على تعريف وزراء حكومتة والكيانات السياسية التي ينتمون إليها, واللافت للنظر وجود أحد قيادات الحزب الناصري المعارض للنظام . مؤتمر منتصف الليل: بدأ المؤتمر بعد أن تجاوزت عقارب الساعة التاسعة مساء بقليل واستمر إلى مابعد منتصف الليل وتحول من مؤتمر صحفي إلى منبر للنقاش بين أبناء الولاية وتقديم مقترحات وآراء لحكومة الولاية . أحلام وردية: ود البلة بدأ في عرض المشروعات المستهدف بها شريحة الشباب من خلال المشروع, وكشف عن خطة لعدد من المشروعات الموزعة بين محليات الولاية ، وتستحوذ الدامر على النصيب الأكبر منها باعتبارها عاصمة للولاية, وعندما استعرض الوالي تلك المشروعات المتمثلة في مدينة رياضية وملعب أولمبي ومسبح ومبنى إداري و200 وحدة سكنية ومساحات خضراء ومفتوحة بجانب وحدة علاج طبيعي ومراكز تدريب وسكن وتأهيل استاد الدامر ومسرح لكل محلية بجانب إنشاءات أخرى. وتجاوزت الميزانية التي ستنفذ بها هذه المشاريع ال (280) مليار جنيه ، ومن خلال شرح الوالي يتضح أن المشروعات التي ذكرها تلبي طموحات الشباب وتحقق التنمية في الولاية وتجعل المدينة في مصاف الدول العالمية ولكنها إذا لم تتوفر لها الميزانية ستصبح أحلاماً وردية خاصة وأن المبالغ المخصصة لها لم يتوفر منها إلا القليل وتعتمد الحكومة جمعها على الجهود الشعبية والدعم الحكومي بجانب توجيهات نائب الرئيس لوزارة المالية والوزارات المختصة لإعطاء المشروعات أولوية في ميزانيتها ولكنه بدأ متفائلا بان المشروع سيمضي إلى الأمام وستستمر الولاية في تنفيذه إلى مابعد العام 2016م وقال إن توجيهات حسبو تمثل الضامن لنا لذلك واستدرك (الضامن الله). البداية: عندما وصلنا مدينة الدامر لم نشاهد مايؤكد أن هناك حدثاً كبيراً تنتظره الولاية غداً ,على عكس مايحدث في بقية الولايات ، و في تمام الساعة الحادية عشرة من صبيحة اليوم الثاني حطت طائرة نائب الرئيس بمطار عطبرة ليتوجه بعدها لمدينة الدامر لوضع حجر الأساس لمشروعات المدينة الرياضية والمسبح الرياضي في مساحة 50 ألف فدان ومشروع مركز تدريب وتنمية المرأة وتوجه بعدها لمشاركة الشباب في الملتقى التاسع عشر للشباب الذي نظمه الاتحاد الوطني للشباب السوداني في قاعة التربية والتعليم. الوصايا: حسبو في خطابه ركز على توجيه رسائل للشباب وتحريضهم على قيادة انتفاضة ضد العنف الذي انتظم الجامعات في الفترة الأخيرة, وقال الجامعات الآن أصبح فيها العنف اللفظي والجسدي والمتفجرات وأقر بأن المخدرات والغزو الفكري والغلو والتطرف تحديات تواجه الشباب ومهددات للدولة السودانية, وقال المخدرات جعلت الشباب خارج الشبكة ، وحث الاتحاد الوطني للشباب بالاهتمام بمحو الامية وتنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية بأن يصبح السودان خالٍ من الأمية بحلول العام 2020م كما وجههم بعمل منفذ للتمويل الأصغر في كافة محليات الولايات. المراسم دائماً: بحكم منصبه السابق نائباً لرئيس مجلس الصحافة والمطبوعات وعضو بالمجلس الوطني أبدى ود البلة تقديره للإعلام والإعلاميين خاصة الوفد الإعلامي الزائر لتغطية الفعاليات, إلا أن المسؤولين في المستويات الدنيا لايلقون بالاً لذلك خاصة من يعملون بالمراسم وفي الاحتفال المقام باستاد الدامر, كالعادة واجه الصحفيون صعوبة في الحصول على أماكن للجلوس لتغطية الحدث وأصبحوا لعبة في يد بعض من هؤلاء فضلاً عن المعاملة غير الكريمة للوفد. جموع غفيرة ضاقت بها جنبات استاد الدامر جاءت لحضور تدشين فعاليات المشروع, وشهد حسبو الزواج الجماعي لعدد 300 شاب وشابة, وصدح ابن الولاية الفنان عبد الله البيعو بأغنيات الحماس والتي تفاعل معها جمهور الولاية, وبدأ وكانه أحد العرسان المحتفى بهم ولبس لبسة (الجرتق ) وخلال الحفل قدم الاتحاد الوطني للشباب السوداني وثيقة عهد لنائب الرئيس تؤكد دعمهم للحوار الوطني كما قدم العمدة حاج صالح مذكراته هدية له . ويبقى السؤال الأخير الذي ننتظر إجابته في مقبل الأيام هل تستطيع ولاية نهر النيل تجاوز الخلافات والحساسيات غير المعلنة بين محليات الولاية بهذا المشروع القومي الذي لو نفذ بما خطط له يجعل الولاية في مقدمة الولايات, وأكد وزير الشباب والرياضة بالولاية الطيب الفكي أن بشريات المشروع ستظهر بعد ستة أشهر من انطلاقته وقال المسيرة ستتواصل .