هل هناك إحساس (جد) بهذا النوع من المخاطر التي تحيط بالناس وبعلمهم جميعاً وإن لاحظنا أنهم في حالة غفلة؟.. كنت من قبل قد لاحظت في مؤتمر جامع محاولة شرسة لتجاوز مشاكل يتعرض لها الجمهور فانطلقت دعوة (لتحسيس) المسؤولين بتلك المشاكل عساهم يتجاوبون معها فيجدون لها حلاً، لكنا الآن بصدد مشاكل تهدد الجميع مسؤولين وجمهوراً.. فمن يحس بينما مخاطر العصر تتلاحق؟.. إمام مسجد شجاع واجه المصلين بتفاصيل خطر وبائي بدأ يداهم الناس فكاشفهم كطبيب متخصص (كلكم تحملون جرثومة هذا الداء الخطير).. وعجبت أنه لم يترك باباً لأمل فيقول (إلا من رحم ربي). ضرب آخر من المهددات التي لا تستثني أحداً كان مدار جدل ونقاش الأسبوع الماضي وجدتني طرفاً فيه.. التوسل برحمة الله تعالى كانت هاجس الجميع وقد تكالبت حولهم مهددات العصر حيث أضحت وسائله بين أيديهم صغاراً وكباراً وعلى أحدث طراز.. الكل يعرف أن هنالك مشكلة وبإمكانه أن يفيض في الحديث عنها ولكن يبدو كأنها لا تعنيه، تعني الآخرين فقط.. طفل بيده جوال آخر موديل فلا تعنيه مضاره الوخيمة ما دامت لا تعيق استمتاعه به.. الأطفال ليسوا وحدهم فالكثيرون يسمعون ويقرأون عن مخاطر هذ التقنية الحديثة التي يتباهون بامتلاكها وإن حاصرهم الفقر وبإمكانهم أن يتحدثوا في المجالس والمنتديات عن آثارها السلبية بلغة العارفين ويطرحون توصيات لا ينتظرون تنفيذها، فالأمر لا يعنيهم.. وهنا مشكلة المشاكل.. عدم الإحساس بما بين أيدينا من مخاطر مؤكدة. هذا المنتدى حاول أن يأتي بجديد.. فاستدعى المشكلة من الآخر وتعهد التوصيات بالتنفيذ الذاتي، أي كل بما يليه من منطلق أقره (المناعة وليس الممانعة).. بدا الحوار بلهجة الناجين من كارثة، فحاصر المشهد الآن وحصره في الآتي: هنالك تلوث سمعي يؤثر بشدة على تفكير الإنسان، بل هي هجمة على المألوف في الحياة وتخريب للفطرة.. إنه تواصل افتراضي مع أناس ومخلوقات لا نعرفهم ولا يعرفونا.. الخطر كامن في هذه الأجهزة المنتشرة حتى بين الأطفال وهم معرضون بذلك لأمراض الدماغ.. المشكلة أنه لا توجد قاعدة معلومات متكاملة توضح محفزات الاستخدام المفيد وحجم الكارثة ونتائجها. ما هي النتائج (المحسوسة) حتى الآن؟.. أولاً تدني مستوى تحصيل الطلاب، تمادي سلبيات الاستخدام فالمواقع الخادشة للحياء على كل لسان، ثم الأضرار الصحية والنفسية وظهور عيادات لأمراض لم تكن موجودة ، مستخدمو الأجهزة التقنية بشراسة أو غفلة أصبحوا تحت ضغط نفسي متزايد ينبئ بحرب تهدد القيم (ضرب الناس في أخلاقهم).. وليس آخر، تراجع أبسط حقوق الإنسان (قدرني بس.. راعي شعوري وقعدتي معاك دي)..! هل من حلول؟.. المعالجات انطلقت من قناعات، كالإقرار بأن القيم الموروثة أباً عن جد هي الملاذ لكنها تتعرض لامتحان.. بداية الحلول هي أن نتمكن من حسن استخدام هذه التقنية الحديثة المترعة بالفوائد ثم نتجنب الغفلة تجاه (عمائل) من يريدونها ضارة بالبشر، نحن وغيرنا.. القضية هي كيف نحافظ على قيمنا لنواجه الدسائس ولذلك جاء عنوان المنتدى كالهاجس (الحفاظ على القيم في ظل تطورات تقانات التواصل الاجتماعي).. تنادى للمنتدى مختصون في مجالات الاتصال والتربية وعلم النفس و(الفتاوى).. الورقة الأساسية قدمتها (بحرقة) باحثة في اتجاهات التقانة الاجتماعية وآثارها خاصة على الأطفال (سلافة بسطاوي) وابتدر النقاش مختصون في المجال زادوا الأمر اشتعالاً. وبما يشبه الاستغاثة توجهت النداءات نحو الأطفال أولاً (ليعيشوا طفولتهم، بلا مشاكل).. جرى استنكار لما يحدث من استسلام لوقوعهم فريسة للتقنية الحديثة، لكن الاستنكار وحده لا يكفي فالأثر الضار على الصغار مدمر لثروة مدخرة للمستقبل.. وبرز اقتراح يدعو بإلحاح لإنشاء هيئة قومية تكون مسؤولة عن مكافحة هذه التأثيرات.. وهناك دعوة للاستثمار في التكنولوجيا فشبابنا ذكي وشهد له العالم، ودعوة جميع الوزارات المعنية للمواجهة على طريقة (الجفلن خلهن).. ثم التوسل للأسرة السودانية للعودة إلى ذاتها وإلى (صينية الغداء).. السودانيون مستعدون للتجاوب هكذا يتفاءل من ينتظرون نتائج التوصيات ويضيفون (أن حاسة التنبؤ بما سيحدث يمكن تنشيطها). الإحساس بأهمية القيم والحنين للجذور يظل هو الأساس في مواجهة مخاطر هذا الزمن الذي تعتريه التحولات والمكايد.. في خضم هذا (الإحساس بخصائصنا) كملاذ وإن تغير الزمن كانت (الحبوبة) حاضرة بذكرياتها وبدورها القديم المؤمن للأسرة.. (بروفيسور) كان يبدو حزيناً لاختفاء هذه الشخصية الحكيمة والودودة في الأسرة السودانية لكنه عاد وألقى باللائمة على الزمن (هي ذاتها مع الزمن ده وتتعامل حتى مع الجوال)!.. وفي السياق طرفة يختتم بها منظم المنتدى الأستاذ عمر عبدالقادر كأنه يعتذر عن التوتر الذي أحدثه الموضوع برغم الأجواء الروحية للقاعة الكائنة بمعهد علوم الزكاة.. الحفيدة تسأل (يا حبوبة الناس كلها عملت موبايل، انت ليه ما عملت موبايل)؟!.. وكان رد الحبوبة جاهزاً (الموبايل أنا عندي ليه كرعين)؟!!..وتتعجب الحفيدة (والكرعين دخلها شنو بالموبايل؟).. ترد الحبوبة بكل بساطة (ما شايفاكن كلما ضرب الموبايل تجروا على الحوش).