إذا كان شيخنا د/ حسن الترابي قدس الله ثراه شاهداً على تاريخ السودان المعاصر ومؤسساً للحركة الإسلامية الحديثة، وعالماً بأسرارها في السودان، فقد كنت من الذين شهدوا على العصر الذي رشح فيه الشيخ الترابي الأخ علي عثمان محمد طه لمنصب نائب الأمين العام للجبهة الإسلامية القومية.. لم يكن حديث الشيخ حسن دقيقاً في الحلقة الثامنة من شاهد على العصر، حين قال إن ترشيحه للأخ علي عثمان لنائب الأمين العام للجبهة الإسلامية لم يكن عن معرفة لقدرات إنما جاء الاختيار لاعتبارات تنظيمية بحتة، اقتضت فقط الدفع بقيادات شابة، وهذا بالطبع تجاوز لإمكانات وقدرات الأخ علي عثمان، التي لا تحتاج لشهادة منا، فقد كان الرجل حاضراً عندئذٍ بتاريخه وكسبه وعلمه.. كما لم يكن اختياره لهذا التكليف سهلاً ، فقد كان مخاضاً عسيراً بذل فيه الشيخ حسن رحمة الله عليه مجهوداً جباراً لتحقيقه، متجاوزاً بذلك تطلعات أقرانه خاصة الذين تلقوا دراساتهم العليا في الغرب، ومتجاوزاً كذلك عدداً من الشيوخ الذين يَرَوْن أن هذه الخطوة غير متفق عليها، إنما هي فكرة خالصةً ورغبةً ملحة من الشيخ، جند لها عدداً كبيراً من الاخوان على رأسهم الشيخ الجليل يس عمر الإمام رحمة الله عليه، والذي كان حينها نائباً للأمين العام، وقد كنت شاهداً حينما قدم الشيخ يس عمر مرافعة مؤسسة في حق الأخ علي عثمان وهو يرشحه لهذا المنصب، وقد وجد حديثه قبولاً، واستحساناً، من غالبية الحضور.. لست عاتباً في هذا المقال على الشيخ حسن ولا أقول إنه قد جانب الصواب في ما قال، ولكن جاء مقاله ظنياً، ويقبل التأويل القادح في كسب الأخ علي عثمان والذي عرفناه كرجلٍ ثانٍ فعلاً لا قولاً في التنظيم، قبل أن يتم تكليفه كنائب للأمين العام، فالأخ علي عثمان لم تعرفه الحركة الإسلامية بعد تكليفه بمنصب نائب الأمين العام وتشهد على ذلك سيرته الذاتية، قبل شهادتنا له، فقد كان رئيساً لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم عام 1967م، وكان مسؤولاً عن العمل الطلابي على مستوى القطر، ويعتبر هذا التكليف من أخطر المهام التنظيمية في الحركة، ويُعوّل عليه كثيراً ويشرف عليه الشيخ حسن بنفسه ولا يكلف به إلا من كان مكان ثقة عنده.. ثم أُنتخب في العهد المايوي لثلاث دورات لمجلس الشعب القومي من العام 1977 الى ، 1985 وانتخب من داخل البرلمان رئيساً للجنة القانونية، ورائداً لمجلس الشعب القومي وكل هذه التكاليف الرفيعة تواترت عليه قبل توليه منصب نائب الأمين العام. وفي فترة الديمقراطية الثالثة فاز الشيخ علي عثمان في دائرة جغرافية في قلب الخرطوم وقد يصعب الفوز فيها على كثير من القيادات الإسلامية والتي جاءت للبرلمان عبر دوائر الخريجين، وأصبح الأستاذ علي عثمان زعيماً مفوهاً للمعارضة في الجمعية التأسيسية من العام 1985 حتى 1989م.. ثم أن الشيخ حسن الترابي وبعد مضي أربع سنوات من تكليفه للأخ علي عثمان بنائب الأمين العام عهد اليه بأخطر الملفات في تاريخ الحركة الإسلامية، وهو التأسيس لحكومة الإنقاذ الوطني، وهذا بالضرورة يؤكد أن الشيخ حسن الترابي يعرف ويثق تماماً في قدرات الأخ علي بصورة لا جدال فيها ولا خلاف عليها.. قلت إن الشيخ الترابي رحمة الله عليه قال مقالاً ظنياً، وأجد نفسي محسناً الظن في مقاله والذي ربما قصد منه أن معرفته بالأخ علي عثمان لم تكن وثيقة عند الترشيح، حيث أنه ذكر بصورة مغتضبة أثناء الإجابة على السؤال بعض الملفات التي ميزته عن الآخرين.. لا أعتقد أن الشيخ علي عثمان يحتاج لتسليط الضوء على دوره التنظيمي والسياسي، نتفق أو نختلف معه فتاريخه وحضوره شاهد على العصر. والله من وراء القصد وهادي السبيل ،،،،،