*ما حفزني لاستعجال (الإضاءة) على كتاب إين جونسون (مسجد في ميونيخ) هو تدافع الأحداث الإرهابية في أوروبا أخيراً، خصوصاً ما شهدته المانيا الاتحادية– وميونيخ ذاتها عاصمة بافاريا – بين معتوه ألماني من أصل إيراني يطلق النار على المارة والمتسوقين في أحد (المولات) التجارية فيقتل (10) أشخاص ويجرح العشرات (22يوليو).. ولاجئ باكستاني يهاجم بالأسلحة البيضاء، ركاب قطار قبل أن تقتله الشرطة (18 يوليو).. ولاجئ سوري يشن هجوماً بساطور ويقتل إمرأة حامل ويصيب آخرين في يوتلتغن بذات الولاية (24 يوليو) .. ولاجئ سوري آخر في انسياخ بذات الولاية يفجر نفسه ويجرح 12 آخرين في مهرجان للموسيقى على الهواء الطلق في ذات الاسبوع.. كل ذلك في المانيا التي فتحت أبوابها أخيراً للمهاجرين السوريين والعرب والأفارقة، وبعد موجات إرهاب شبيهة ضربت فرنسا وبلجيكا، ولا يزال الحبل على الجرار.. فهل على نفسها جنت أوروبا كما كان الحال مع (براقش) على قول المثل العربي؟!. *كتاب جونسون الصادر معرباً من القاهرة العام الماضي (2015) عن (الهيئة العامة للكتاب)، ويقع في 440 صفحة من القطع المتوسط وقام بترجمته – باجادة فائقة- أحمد جمال أبو الليل، في ثناياه وتشعباته التي أقتضاها التحقيق الاستقصائي الذي عمد المؤلف إلى تتبع دهاليزه المعتمة إجابات ضمنية، أو تفسيراً بليغاً لما تشهده أوروبا اليوم من ترددات وإرتدادات صاعقة لافعال اقترفتها في ماضيها إبان (الحرب الباردة)، التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، في مجرى الصراع والتنافس مع الاتحاد السوفيتي (السابق) من أجل توظيف الدين.. والإسلام خصوصاً.. ضمن أدوات الصراع وأسلحته في تلك المواجهة بين القطبين.. الدعاية (البروبوغاندا) والعمليات السرية المغطاة، التي كانت ألمانيا المنقسمة أهم مسارحها بعد أن وضعت الحرب الساخنة أوزارها. *ولا غرو، فإن (مسجد ميونيخ) قد شكل رمزاً مهماً في تلك المواجهة، مثلما كان بناؤه ذاته محلاً للتنافس بين ألمانيا الغربية وحلفائها الأمريكان، الذين كانوا لا يزالون يحتلون أراضيها.. وكذلك بين جماعات أنتمت أو تضامنت مع أصحاب الأرض لدوافع وطنية وأخرى وافدة، كانت تبحث عن موطء قدم عبر التعاون مع الحلفاء الأمريكان أو الانجليز. *صادف المؤلف– إين جونسون- مصاعب جمة في جمع مادة كتابه، وفي هذا يشير إلى أن إنعام النظر في الموضوع جعلت منه (تبعة ثقيلة ومهمة وبيلة).. فوثائق وكالات الاستخبارات وملفاتها حول الإسلام لم يفرج عنها بعد.. ولكن من حسن طالعه، بما يعد ظرفاً إستثنائياً، أن تمكن جونسون – حسبما أفاد- من الحصول على أوراق ومستندات تسرد وقائع الأحداث.. ففي الولاياتالمتحدة استلزم الأمر استصدار قرار من الكونغرس للإفراج عن (ملفات وكالة الاستخبارات المركزية عن النازيين)، الذين نجوا من الحرب الكونية الثانية، أو أولئك الذين دارت شكوك بضلوعهم في جرائم حرب.. ولعل الأمر يستلزم قراراً مماثلاً للوصول إلى رؤية شاملة بشأن تعامل الولاياتالمتحدة مع الجماعات الإسلاموية، وتعاطيها في شؤون تلك التنظيمات. *وبرغم هذا، فالكتاب يعمد إلى سد ثغرة هنا وتجسير فجوة هناك، بالجهد المضاعف للمؤلف.. فهو يوضح بأن ما دفعه إلى تسطير كتابه في الوقت الراهن، أن شهود عيان تلك الحقبة بات يحصدهم الموت واحداً بعد الآخر، فضلاً عن أن الوثائق والملاحظات التي راكمها الكثيرون من أولئك الشهود قد صارت نهباً للضياع وعرضة للفناء.. فكثيرٌ ممن أجرى معهم جونسون لقاءات كانوا قد تجاوزوا الثمانين بل التسعين.. وآخرين قضوا نحبهم بعد قليل من مقابلته إياهم.. من هؤلاء الشهود والوثائق المتاحة سطر المؤلف (روايته) التي أخذته في تطواف بين هوليوود وجاكارتا.. وواشطن ومكة المكرمة.. بيد أن الرواية التي جرت أحداثها في المانيا وأوروبا.. تبدأ ولا تنتهي في ساحات الحرب العالمية الثانية. تنويه: ورد في الحلقة الأولى خطأ في اسم المؤلف حيث جاء على أنه (ابن جونسون).... والصحيح هو(إين جونسون). (يتبع)