ذكرنا بالأمس أن المهاجرين الى أوروبا يواجهون تململها من الهجرة الشرعية وغير الشرعية، وأن قضية المهاجرين كشفت زيف شعارات القيم الأوروبية فى صيانة حقوق الإنسان وعدم إنتهاكها.. المسلمون تعاملوا مع الهجرة بشكل مختلف عما هو عليه الحال اليوم، إذ إن نشر الإسلام بالدعوة إليه والحفاظ على أهل الدعوة كان الهدف الذى دعا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشير على المسلمين أن يهاجروا الى الحبشة، بعد أن تواترت الأخبار أن فيها ملكاً عادلاً لا يظلم عنده أحد، ولم تكن الهجرة الى الحبشة هى أول هجرة يأمر بها الله سبحانه وتعالى، وإنما سبقتها هجرة النبى ابراهيم عليه السلام والنبى لوط عليه السلام، وتتالت هجرات المسلمين فكانت الهجرة الثانية للحبشة، وجاءت هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم، وهي الهجرة الكبرى التي أراد الله سبحانه وبالكرامات التى نزلت وبالحماية الإلهية للمصطفى صلى الله عليه وسلم من وعثاء السفر وكيد الأعداء له ولصحابته الكرام أن يستلهم منها المسلمون العبر فى الصبر، والتوكل، وقوة الإيمان، ومضاء الدعوة الى دينه الحق جل وعلا.. وسعد المسلمون بهجرتهم وطاب مقامهم بالمدينة بعد أن دعا الرسول صلى الله عليه وسلم « اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وبارك فى صاعها ومدها » والهجرة فى الله يدعو لها الإسلام ويحض القرآن الكريم عليها، تأمل فى الآية المائة من سورة النساء يقول تعالى : « وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ? وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ - وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)» . وفى تفسير هذه الآية يقول ابن العربى فى تفسير القرطبى قسم العلماء رضي الله عنهم: الذهاب فى الأرض قسمان هرباً وطلباً، فالهرب حسب التفسير يكون فى سنة الهجرة من دار الحرب الى دار السلام - الخروج من أرض البدعة - الخروج من أرض غلب عليها الحرام - الفرار من الأذية فى البدن - خوف المرض - الفرار من الأذية فى المال. أما هجرة الطلب فقد قسمها المفسرون الى قسمين طلب دين وطلب دنيا، فطلب الدين يكون فى سفر العبرة - سفر الحج - سفر الجهاد - سفر المعاش - سفر التجارة والكسب - سفر طلب العلم - سفر قصد البقاع - سفر سد الثغور بالرباط - سفر زيارة الأخوان فى الله . والإسلام يحض على السفر لطلب الدين حسب الأقسام التسعة له التي ذكرها العلماء المفسرون آنفاً. المسلمون سعدوا بصحبة بعضهم لبعض فى الهجرة والسفر، وسير الصحابة تحدثت عن الإيثار والتجرد وغلب هوى النفس وشحها وأنانيتها، ورفقة السفر مهمة للمسافر إذ من المهم اختيار المرافق ومصاحبة الصاحب.. قال بعض الحكماء لا تصاحب إلا رجلاً ترجو نواله، أو تخاف يده، أو تستفيد من علمه، أو ترجو بركة دعائه، وقيل عليك بصحبة من إن صحبته زانك، وإن خدمته صانك، وإن نزلت حاجة بك أعانك، وإن سألته أعطاك، وإن تركته بداك إن رأى حسنة أظهرها وإن رأى سيئة سترها. ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: « المرء على دين خليله فلينتظر امرؤ من يخالل». كل عام وأنتم بخير وعام هجري كله فى طلب الدين، وكما ذكرنا فطلب المعاش والتجارة والكسب قسمان من أقسام طلب الدين التسعة وكذلك طلب العلم. جمعة مباركة ..