عقارب الساعة تشير الى الثانية عشرة ظهراً، توقفت عند الباب الغربي لمركز الخرطوم للعلاج بالأشعة والطب النووي- (الذرة)- تحججت بزيارة مريض، لأشاهد مناظر لا تسر عدواً أو قريباً.. حيث بدت المأساة واضحة على أوجه المرضى خاصة المنتظرين في الصالة، ساقني الفضول للعنابر وأنساني منظر الأسرِّة العاري درجات السلم التي صعدتها مجبرة نسبة لتعطل المصعد، وتجاذبت أطراف الحديث مع بعض المرضى لأعرف أنهم ينتظرون نتائج الفحص لمدة تجاوزت الخمس ساعات، ولم يفُتنِ مشهد إحدى السيدات وهي جالسة على الأرض بالقرب من العنابر المكتظة بالمرضى، فهم ينتظرون خلو إحداها.. أضحت علامات التعب هي السمة الأبرز في ملامحها، خبأت كل اشراقات الوجوه لتعلو أصوات البكاء والأنين التي تزداد كلما تعطل أحد الأجهزة التي يصطف جانب القائمة المتوقفة، وبمرارة هزت مابداخلي اعتصر شاب في الثلاثين من عمره ألمه عندما تحدث لي أثناء خروجي ومغادرتي لتلك المعاناة، وقال إنهم أقدموا على بيع أثاثات المنزل بغية الحصول على العلاج، باعتبار عدم توفر بعض الفحوصات في المرافق الحكومية المعنية بمرضى السرطان، ولم يتوقف الأمر على البيع، بل ذقنا مرارة الانتظار التي استمرت يومين دون اي نتيجة نعلمها أو نتلمسها، خرجت والغصة تعصر حلقي مما يعانية المرضى، فالأمر يتعدى الخيال والوصف، ولن يحس به إلا من يقوم بجولة داخل مستشفى السرطان.