الساعة لم تتجاوز الثانية عشرة ظهراً يوم أمس، وكان هو الموعد المضروب لانعقاد ندوة «تحديات فرص السلام في المنطقتين « بالمركز القومي للإنتاج الإعلامي، و بينما كانت عدسات المصورين تنصب بعناية أمام المنصة الرئيسية دلف المتحدثون تباعاً تقدمهم عضو المكتب السياسي بالوطني د.ريبع عبد العاطي ثم تبعه ممثل منطقة النيل الأزرق رئيس الحركة الشعبية المتحدة الكمندان جودة محمد، ولحق بهما ممثل منطقة جبال النوبة بجنوب كردفان وزير السياحة السابق أمين بشير فلين، ولم تمضِ دقائق من عقارب الساعة حتى سكب المتحدثون دمعاً سخيناً على المآلات التي خلفتها الحرب على المنطقتين نتيجة تكسب الحركة الشعبية قطاع الشمال بقضايا المنطقتين ووضعها للمتاريس أمام تحقيق السلام بتبنيها لسياسة «دس المحافير»في معالجة الأوضاع الإنسانية للمواطنين هناك، وتبقى المساعي التي يتخذها المبعوث الأمريكي دونالد بوث بمطالبته الحكومة بتقديم تنازلات لتسهيل المفاوضات المقبلة بين الحكومة والحركة الشعبية بتذليل العقبات السابقة المتمثله في المساعدات الإنسانية ووقف العدائيات تصب في اتجاه المضامين التي تحملها الندوة. عقبة الإغاثة: ويظل الحديث عن قضايا المنطقتين أمراً بالغ التعقيد وسط تكهنات واستفسارات ظلت تحملها الحكومة في جعبتها ردحاً من الزمان تصب في مجملها حول التفويض الذي يتدثر خلفه قطاع الشمال للتصدي لقضايا المنطقتين هل تم بتفويض من مواطني المنطقتين أم هو تغول من القطاع يسعى من ورائه لتمرير أجندته؟ لكن الناشط السياسي بمنطقة جبال النوبة الوزير السابق بحكومة الولاية أمين بشير فلين الذي ابتدر الحديث في الندوة مضى إلى غربلة علاقة قطاع الشمال بجبال النوبة، نافياً أي صلة بين القطاع ومواطني الجبال، ومضى إلى أكثر من ذلك حينما دلف إلى أن ما يحدث في الجبال على أيادي القطاع يمثل استعماراً جديداً من قوى لا صله لها بالمنطقة رغم تأكيداته التي رمى بها في مضمار أحقية المنطقة في قضايا الخدمات، لكنه رهن تحقيقها بالسلام وليس العنف، دامغاً في ذات الوقت مساعي القطاع في محاولته نحو تهتك النسيج الاجتماعي المتماسك الذي كانت تتصف به المنطقة من قبل حلول يوم 6/6 الساعة 6 للعام 2015 إثر الهجوم المباغت للحركة ومد لسانها الساخر على المنطقة، وصوب فلين اتهاماته نحو المنظمات الأجنبية التي تتخذ من المساعدات الإنسانية مطيةً لإطالة أمد الحرب من خلال جلب السلاح للحركة، مؤكداً رفض مواطني المنطقة للإغاثة إذا كانت عقبة أمام تحقيق السلام بالمنطقة. ساكباً في ذات السياق دمعاً سخيناً على فقدان مواطني الجبال كل مقتنياتهم ومدخراتهم التي يملكونها بجانب الخدمات جراء استمرار الحرب. رصاصة الرحمة: بيد أن أزمة منطقة النيل الأزرق لم تكن هي الأخرى ببعيد عن المشهد السياسي فقد مدت الحرب لسانها لتحوي المنطقة من أطرافها عبر عمليات الذراع الطويل لقطاع الشمال لإشعال النيران بالمنطقة مقابل الجهود الحكومية المبذولة جهة إطفاء الحريق، وهاهو ممثل المنطقة رئيس الحركة الشعبية المتحدة كمندان جودة محمد يتحسس فوهة بندقيته ليطلق رصاصة الرحمة على الأوضاع بالمنطقة من خلال مناقشتهم لقضايا المنطقتين باستفاضة خلال وثيقة دفع بها إلى منضدة الحوار الوطني لإنهاء الاحتراب، متعهداً بثقته في رئيس الجمهورية المشير البشير في الإتيان بالسلام قبل أن يسعى إلى تشبيه البشير بنيلسون مانديلا من خلال خطواته نحو السلام، مشيراً في ذات الصدد إلى حجم المتضررين من اشتعال الحرب بالنيل الأزرق من النساء والأطفال، مفصحاً بأن «الجمرة بتحرق الواطيها». وقف العدائيات وفي ذات المضمار سعت الحكومة إلى إطلاق سهام نقدها تجاه الحركة وتحميلها مسؤولية المعاناة الإنسانية التي يقبع فيها مواطنو المنطقتين وحمل عضو المكتب السياسي بالوطني د.ربيع عبد العاطي كنانته ليطلق سهام نقده ناحية قطاع الشمال، دامغاً إياه بتوجيه قنابل مدافعه نحو المواطنين العزل، معرجاً بالحديث ناحية الخيرات التي تكتنزها المنطقتان من الرجال والموارد، كاشفاً النقاب عن عمارات شاهقات بقلب العاصمة الخرطوم تم تشييدها بأموال مرسلة من المنطقتين منادياً إلى عودة السلام جازماً بأن السلام الذي يأتي اليوم أفضل من السلام الذي يأتي بالغد، مضيفاً بأن السلام يأتي بوقف العدائيات وليس بتقديم الإغاثات، وزاد بالقول، خلف هذه العبارات نعرف ان هنالك أجندة خبيثة تحملها الحركة في جعبتها لجعل الإغاثة هدفاً ترمي من خلاله لتحقيق رغباتها العدوانية عبرها وقال إن هناك مساعي للحكومة لإسكات صوت الحرب بأي ثمن بالمنطقتين. وأردف حينما يتحقق السلام نستطيع عبر بوابة المنطقتين أن نرمي بسهامنا تجاه العدو، مؤكداً أن قضايا المنطقتين طرحت من جانب أهل المصلحة والحكومة بشفافية تامة لم تجعل لأحد من قيادات التفاوض خياراً يسعى عبره إلى «دس رأسه تحت الرمل كالنعام» لافتاً إلى أن الهموم التي يحملها قطاع الشمال ناحية المنطقتين لاتزيد عن سطر واحد في جملة وقال إن القطاع يريد جعل المنطقتين مناطق محروقة، وزاد نحن نريدها مزروعة. ومضى ربيع إلى الاستشهاد بالعديد من الملفات التي تجرم القطاع، وأضاف حتى لو قدمنا لها المن والسلوى لن تتحرك الحركة نحو السلام. واستمسك ربيع بعدم وجود نازحين بالمنطقتين، لكنه عاد وأشار إلى أن وجود النازحين يكمن في المناطق التي تسيطر عليها الحركة. وعبر أبيات الشاعر التونسي أبيالقاسم الشابي «إذا الشعب يوماً أرد الحياة فلابد أن يستجيب القدر، ولابد لليل أن ينجلي و لا بد للقيد أن ينكسر». اختتم ربيع كلماته وعلى إثرها انفض السامر، والكل يمني نفسه بأن يتحقق السلام في المنطقتين اليوم وقبل الغد.