هو رجل من أولئك الرجال الذين نحسبهم ملحاً للأرض، يعطون لحياتنا مذاقها وطعمها المتميز الحنون، كان ينتسب كجندي في القوات المسلحة بكل معاني الجندية الباذخة من ضبط وربط واستقامة لا تعرف الميل، إلا أن شأنه معنا كان أمراً آخر، استمر لعشرات السنين حتى أصبح جزءاً لا يتجزأ من شخصية أم القرى شمال، فمنذ أن تم إنشاء مسجد الدرويش تحمل مسؤولية الآذان بلا انقطاع لعشرات السنين، ينبهنا للفجر في عز الشتاء ولا ترده الهاجرة ولا يغيب صوته إلا ساعات الدوام أو السفر. كان رجلاً بسيطاً باسماً، تشعر بالصفاء والنقاء يقطر منه وكان مجاملاً من طراز فريد، لم يسأل الناس إلحافاً ولم يساومهم يوماً بثمن ولم يتخذ الآذان مهنة يسترزق منها، لم يكن مجرد مؤذن ذي صوت جميل ولكنا نحسبه من المؤمنين حقاً تشهد له حلقات العلم والتلاوة، اجتهد في التلاوة جهد المحب رغم صعوبتها عليه في البداية وصبر صبراً كنا نحسده عليه، كما نحمد لأخينا علي محمد نور طول باله معه حتى جود القرآن بعزيمة لا تلين وهمة لا تفتر. أحمد العوض (عليه رحمة من الله ورضوان) رجل في حاله يصل الأرحام ويبر الجيران ويتفقد أخوانه في المسجد، ينبه لغياب المرابطين ويشير للمرضى ويدل على المساكين ولا يغيب عن جنازة ولا يتأخر عن واجب ونحسبه كذلك مع أولي الأرحام من أهله وعشيرته. فضاء أم القرى افتقد صوته العذب منذ أسبوع عندما أصابته علة مفاجئة بعد عودته من الصلاة ليلزم السرير الأبيض بالسلاح الطبي مهيئاً الجميع لرحيل هو الحق في رقابنا جميعاً، تقاطر الناس من كل صوب لعيادته ولكن الله سبحانه وتعالى اختاره إلى خير جوار ليل الثلاثاء ومضى إلى ربه طويل العنق صافي السريرة، اللهم إنا شهودك في الأرض فنشهد أنه كان نعم العبد الصالح ونعم الجار للكل وأنت أعلم به منا جميعاً، اللهم تقبله واكرم نزله ووسع مدخله واجعل البركة في ذريته وأهله (إنّا لله وإنّا إليه راجعون).