لدى تلفزيوننا القومي تسجيلاتٌ للأذان بأصوات حسان، مثل صوت الشيخ صديق أحمد حمدون عليه رحمة الله، وصوت الشيخ الفادني أمد الله في عمره. فحينما يؤذنان ينصت المرء إليهما في خشوع. و لكن الإخوة في التلفزيون (يتحفونا ) كثيرًا هذه الايام بمؤذن معين؛ ذي صوت رفيع، يؤذن بطريقة غنائية ممعنة في التغني، وقد اختار لأذانه تحديداً لحن أغنية التمتم المعروفة التي مطلعها : « يا عينيَ يا عينيَ سفرَك طال مِتين الجيَّة ؟» . فأنا لا أعرف اسم ذلك المؤذن ؛ حيث إن الإخوة في التلفزيون؛ هداني الله وإياهم؛ ينحون في كثير من الاحيان المنحى المتأصل في صحفنا المكتوبة، الذي تمتاز به دون غيرها من صحافة العالم ، وهو عدمُ كتابة أسماء اصحاب الصور التي تُرفق بها ما تنشر من موضوعات، حيث لا يعرف القاريء صاحب الصورة التي أمامه، وهذا موضوع كتبتُ فيه من قبل. فالذي أذكره هو أن ذلك المؤذن ؛ ذو صوت رفيع كما ذكرتُ ، يشتط في تغنِّيه بطريقة تخرج الأذان عن الروح التي تجلب الخشوع إلى النفس، فيصرف الذهن إلى ذلك للحن الغنائي المعروف. إن التلوين الصوتي والتغني لا شك محببان في التلاوة والأذان ، ولكن بحيث ينأى قاريء القرآن والمؤذن عن المبالغة التي تخرج عن حدود والوقار. وقد كنتُ أسمع في الخرطوم قبل سنوات تسجيلاتٍِ تنطلق من أحد الاكشاك ، في ميدان من ميادين المدينة ، لقاريءٍ صار له الآن مقلدون ، وكان يتلو القرآن بطريقة الغناء البحت، التي هي أقرب الى طريقة الدوبيت، حيث يسوقه الامعان في ذلك إلى الخروج عن قواعد التجويد المعلومة لدى قراء كتاب الله تعالى، وذلك شيءٌ سمعتُه عنه من بعضُ اصحاب الاختصاص في علم القراءات. ففيما يتعلق بالتغني بالقرآن ، قد يحاول بعضُ الناس أن يجد حجةً عليَ بما روى الشيخان عن أبي هريرة رضي لله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ليس منا من لم يتغن بالقرآن يجهربه». أو قصة استماعه عليه الصلاة والسلام إلى صاحبه الجليل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهو يتلو القرآن ، فأعجبه صوته فقال عليه الصلاة والسلام: « لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود» . ولما أخبر النبيُ عليه الصلاة و السلام أبا موسى بذلك قال له:» لوعلمتُ يا رسول الله انك تستمع لحبرته لك تحبيرا» . أو قول النبي صلى الله عليه وسلم « زينوا القرآن بأصواتكم» . فأقول إن المقصود بذلك، هو تحسينُ الصوت بالقرآن، والعناية بأصول القراءة ؛ ليخشع القاريء والمستمع، وليس معناه أن يأتي به كالغناء المعروف بضرورة الحس عند الناس. و يقول أحد أهل العلم عن التلحين في القراءة: « إن هذه الألحان المبتَدعة والمطربة ؛ تهيج الطباع وتلهي عن تدبر ما يحصل من الاستماع، حتى يصير التلذذ لمجرد سماع النغمات والموزونة والاصوات المطربة ؛ وذلك يمنع المقصود من تدبر معاني القرآن». الحمد لله الآن يتلو القرآن من شاشة قناتنا القومية مقرئون مُجيدون ، لهم اصوات ندية، بعيدون عن شاكلة ذلك المقريء الذي ذكرتُ آنفا. وما ينطبق على التلاوة ينطبق على الأذان كذلك ، من عدم المبالغة المطلوب في تلوين الصوت، والانسياق وراء ألحان الغناء والتطريب. فقد رُوى أن مؤذناً أذن فطرَّب في أذانه ، فقال له عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: « أذن أذانًا سمحاً وإلا فاعتزلنا». ذلك عن ذلك المؤذن المغني في قناتنا القومية ، وهو العيب الأول في الأذان. أما العيب الثاني في أذان قناتنا القومية فهو متعلق بتسجيل الدعاء المعروف الذي يعقب الأذان والذي نصه ( اللهم ربَ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ...إلخ) فالعيب في ذلك، هو أن هذا الدعاء سُجل بأداءٍ درامي، جعل من سَجَله يقول : «اللهم» ثم يصمت لهنيهةٍ ثم يقول: «ربَ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة « ألى آخر الدعاء. فعقب لفظة «اللهم « ليس هناك من وقف أصلاً، بل وصلٌ مثل قوله تعالى: « قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء...» وقوله تعالى: « قل اللهم فاطر السماوات والارض عالم الغيب والشهادة...» وقوله تعالى: « وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحقَ من عندك ...» أو الدعاء المعروف بسيد الإستغفار: « اللهم أنتَ ربي لا إله إلا انت خلقتني وأنا عبدك...» أو الدعاء المعروف في دبر الصلوات: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» وغير ذلك كثير، فكله وغيره ليس فيه صمتٌ أو وقفة بعد لفظة «اللهم» ، كما هي الحال في الدعاء المسجل في التلفزيون. ثم هناك عيبٌ ثالثٌ في أداء هذا الدعاء، وذلك في قوله: «آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة» فجاءتِ العبارةُ الصوتية في التسجيل: « آتي « بالياء ظاهرةً بدلاً من « آتِ « ًبالكسر، لورود الدعاء في صيغة الأمر، و ذلك أيضاً كما أظن بسب الامعان في الأداء الدرامي. لقد سبق لي أن تحدثتُ في ذلك مع الأستاذ عوض جادين أيام كان رئيساً للتلفزيون، وقد وعد بتصحيحه، ولكن للحقيقة كان حديثي معه قُبيل تركه منصبه في التلفزيون بفترة وجيزة جداً، الأمر الذي أحسب أنه لم يمكنه من ذلك التصحيح الذي وعد به. ثم حاولتُ بعد ذلك الإتصال مراتٍ ومرات بالاخوة المسؤولين في التلفزيون فلم أفلح في الوصول إلى أي منهم. فهل هم ناظرون في هذه الجوانب الآن ؟ مع أمنياتي لهم بالتوفيق والسداد والله وحده المستعان. الرأي العام