لا أعرف لماذا نحن في السودان نحب الراحات ونعشق الاجازات، ونتصيد مناسباتها ونترقبها ترقب العاشق الولهان، نطرب ونفرح ونسعد لأية إجازة طويلة وقد يكون الأمر معقولاً إذا كانت أوضاعنا الاقتصادية على مايرام، ولكن الكل يشكو من ضنك العيش وقلة الدخل، ورغم ذلك فإننا نشتهي لو كانت الاجازات أطول وأكثر. للحق فإن هذا الأمر لا يعدو كونه مرضاً مستعصياً من أمراض الخدمة المدنية، فالقطاع الخاص غير مبتلى بهذا الداء العضال الذي ألحق أذى جسيماً باقتصادنا فكثرة الإجازات تعنى تعطل مصالح المواطنين بواسطة فئة تقبض ثمن إجازاتها (وركلستها) من حر المال العام، ورغم أنها تحصل في كل اسبوع على يومين بدون عمل وتضيع يوماً آخر تتوزع ساعاته على وقت الفطور، ويوماً رابعاً في المجاملات الخاصة بهم، والتي يحلو لهم أن يقوموا بها أثناء ساعات العمل الرسمية، فيعطلون المصلحة التي يعملون بها (ما أنشطهم وهم يتسارعون الى الترحيل بحجة اداء واجب عزاء لزميل أو زميلة (ناهيك عن الوقت المستقطع للشاي أو طق الحنك والنقة على حالهم، وكيف أن الدولة لا تقدر تعبهم. الخدمة المدنية في السودان عبء ثقيل على الاقتصاد السوداني، بل سمعة الإنسان السوداني، فضيوف السودان يحملون هذا الانطباع الخاطئ عن كسلنا بسبب تصرفات منسوبي الخدمة المدنية الذين ندفع لهم ثمن تسيبهم وعطالتهم المقنعة، ذلك داء نبرئ منه القطاع الخاص والإنسان السوداني، فالأسواق تعج بالغبش منذ صباح الله أكبر وحتى انتصاف الليل، لا تردهم سياط الصيف ولا يحوشهم زمهرير الشتاء، ويضيقون ذرعاً بكثرة الإجازات لأنها تحول بينهم وبين مواصلة السعي من أجل زيادة الدخل، وهذه الفئة بالطبع لا مقارنة عددية بينها وبين الذين يعملون في الخدمة المدنية من أولاد ال... حكومة، ولكن الكارثة أن أغلب معاملات الغبش مرتبطة بهذه (الخمة) المدنية. الغريب في الأمر أن المتحصلين التابعين للخدمة المدنية لا يصابون بعدوى الإجازات، فتجدهم دوماً جاهزين لعصرك في أي ملف، هل لأنهم يشتغلون في (الخاص)؟ خليك حريف وقارئ حصيف.