تابعت بالأمس حديث وزير الدولة بالثقافة سيد هرون لقناة (سودانية 24) حول الحراك الذي أحدثته وزارته عبر المشاريع الثقافية التي انتظمت عدداً من المدن، نحن لا ننكر هذا الحراك ولا الجهود التي بذلتها الوزارة ولا تحركات وزيرها في شتى الاتجاهات وتواصله مع كثير من المبدعين، لكن أظن أن السيد الوزير يعلم تمام العلم أن وزارته استحقت صفة (لم ينجح أحد) في امتحان ضبط الساحة الثقافية والفوضى التي ضربت أطنابها من كل جانب حتى باتت مهدداً مجتمعياً خطيراً، ولا نظن أن السيد الوزير لا يعلم أن ما يحدث هو غزو ثقافي منظم ظهرت آثاره على الشارع السوداني وعلى عاداته وتقاليده في عديد المناسبات، وللأسف الشديد أن البعض يظن أن ذلك لون من ألوان مواكبة التطور والموضة العالمية، مع أنه في ظاهره وباطنه تشويه لثقافة البلاد وحرب على هويتها، تحتاج إلى فعل ثقافي قوي يجابه تلك الحملات، مثلما تحتاج إلى تفعيل القوانين المنظمة لتكوين الجماعات الثقافية والمنظمة لممارسة مهنة الإبداع الذي أصبح مهنة في آخر الزمان. بالطبع لا يحتاج منا السيد الوزير أن نحدثه عن هذه الفوضى التي باتت معها أفراحنا و(بيوت أعراسنا) ترقص على أنغام (عشرة بلدي) وتزغرد مع أغنيات هبطت بالذوق العام إلى درك سحيق، لأنه من العالمين بكل ما يدور في الساحة، لكن هل يرى معاليه أن العمل في العواصم الثقافية وحده يمكن أن يوقف هذا المد الكاسح من الثقافات الوافدة، وهل باستطاعته أن يشكل لنا أماناً ثقافياً. الإجابة عندنا أننا نحتاج قبل اليوم إلى شراكات ذكية بين كل الجهات التي يمكن أن تحقق لنا أمناً ثقافياً مستداماً، وتحافظ على هويتنا، مثل وزارات الداخلية والإعلام والثقافة، وقبل كل ذلك لا بد أن تولي وزارة الثقافة ملف الإذاعات الخاصة كل فكرها وجهدها وهمها، لأن بعضها يمثل تهديداً صريحاً تتعرض له هويتنا صباحاً ومساء، كما لا ننسى أن تقوم الوزارة بالاهتمام بالمجلس الاتحادي للمصنفات الأدبية والفنية وتفعيله ليقوم بدوره الحقيقي تجاه الساحة الإبداعية بدلاً من تحويله مجلساً للوجاهات والجباية عبر لجان لإجازة النصوص والألحان، وهي لجان لا نظن أن أحداً يمر عبرها، لأن الكل أصبح يعرض بضاعته عبر الفضاء الواسع الممتلئ بالمواقع الإلكترونية التي فشلت الوزارة في مراقبتها. حقيقة بقدر سعادتنا وتقديرنا لما نتابعه من جدية ومسؤولية ونشاط في وزارة الثقافة لم نعهده في عهود سابقة، نتحسر على ضياع تلك الجهود والأموال في فعاليات ينتهي أثرها بانتهاء مراسمها، حتى بات لسان حالنا أن وزارة الثقافة ترى الفيل لكنها تطعن في ظله. *خلاصة الشوف معرض الخرطوم الدولي للكتاب يستحق الإشادة، وتستحق الفعاليات والندوات التي صاحبته الاحترام، لكنه كان يستحق من الإعلام ما هو أكبر من الذي تابعناه ونتابعه.