لا ننكر أن مجهودات كبيرة تقوم بها وزارة الثقافة، وعلى نطاق واسع، ونثمن دور السيد الوزير الطيّب حسن بدوي الذي ما بخل بشيء من جهده ووقته وقبلهما فكره، ونتابع في كل يوم تحركاته ولقاءاته مع أهل الثقافة ومع الكثير من سفراء الدول بالخرطوم، ووقفنا كثيراً عند بعضها، آخرها لقاؤه بالسفير الإيطالي وما خرج به اللقاء من أسبوع ثقافي وغيره. هي كلها جهود محل الاحترام والتقدير، ولكنها من وجهة نظرنا تضيع هباء، ولا يكون لتلك الفعاليات أي أثر بعد انتهائها، ونرى أن دور الوزراء الحقيقي هو تفعيل القوانين والتعاون مع الوزارات الأخرى مثل الإعلام والداخلية، لأن الساحة الثقافية الآن غارقة في الكثير من الثقافات الوافدة، وهي ثقافات تشكل مهدداً حقيقياً للهوية السودانية، وكأن وزارة بدوي لا ترى ولا تسمع، فبعض الإذاعات الخاصة تطمث في الهوية ولا نقول عن عمد، ولكن بجهل فاضح، فهي تذيع صباحاً ومساءً أغنيات أجنبية وشرقية، وتسبح بحمد النجوم العرب، حتي بات الكثير من شبابنا لا يعرفون غيرهم ولا يسمعون غير ما يقدمون من غناء، فضاعت وسط ذلك قيم كثيرة كانت تحملها الأغنية السودانية العاطفية والتراثية على السواء. هذه الإذاعات لم تجد من يقول لها «تلت التلاتة كم»، فأدمنت الجهل وحاربت كل ما هو سوداني، لأن ما تقدمه من مواد أجنبية لا يكلفها شيئاً، ولا يجد من يطالب بحقه. هنا لا بد للوزارة من أن يكون لها دور وتعاون مع وزارة الإعلام، ليتم سحب ترخيص أي إذاعة لم تلتزم بالتصديق الممنوح لها والذي يوجب عليها أن تتيح النسبة الأكبر من البرامج والأغنيات للمادة السودانية، وعليها أن تترك النظرة السالبة تجاه تلك الإذاعات ولا تنظر إلى ما تقدمه على أنه كلام وغناء بلا أثر، كما على وزارة الثقافة أن تراجع الكيانات الثقافية من مجلس مهن موسيقية ومسرحية ومجلس مصنفات، وتوفر لهما كل ما يعينها على آداء رسالتها، وفي ذلك يمكن التعاون مع وزارة الداخلية لضبط المخالفين، وما أكثرهم والذين وجدوا الساحة «عايرة وأدوها سوط» فعاثوا فيها فساداً. آخر الشوف: العمل الثقافي ليس لقاءات وتدشين احتفالات وتكريم مبدعين ووضع حجر أساس فقط، علينا أولاً أن ننجز ما تتطلبه منا المرحلة أولاً، ثم بعد ذلك نعمل للمستقبل، لأنه لا مستقبل بلا حاضر، وحاضرنا الثقافي «حالو يغني عن سؤالو».