*في إطار الاستعداد للاحتفال بذكرى رحيل الأستاذ مكي حسن أبو قرجة، المعلم السابق والكاتب الصحفي.. الأخ والرفيق الذي غادر دنيانا في (21) يوليو من العام الماضي.. عدت لقراءة واحدة من أهم إصداراته الأربع.. التي شملت ترجمة وتعليق على كتاب سلمون مالكا (اليهود في السودان).. (والأمل والقنوط في بلاد الارناؤوط).. و(صولة بني عثمان في ملاحم الثورة المهدية).. ألا وهو (أصوات في الثقافة السودانية) الذي نشره على صفحات جريدة (الاتحاد) الإماراتية على مدى سنوات أربع بين العامين 2000و2004.. بعد عامين من التحاقه بالاتحاد التي كنت أرأس قسم الأخبار العربية والدولية فيها. *ولأني كنت أدرك، بحكم الرفقة والعيش المشترك منذ ميعة الصبا مواهب مكي وقدراته الإبداعية، كشاعر وكاتب، فقد كنت ألح عليه بالكتابة بالتشجيع أحياناً وبالتقريع و (الشَكَل) في مرات عديدة.. لكنه كان يتأبى ويرفض في إصرار لم يكن مفهوماً أو مهضوماً لدي.. لكن بعد مضي أكثر من عقد من الزمان وبعد أن غادرت (الاتحاد)، فوجئت أن صاحبي قد انتقل من عمل التحرير اليومي في الأخبار العربية والدولية إلى الكتابة، فحمدت الله على هذه الاستجابة المتأخرة.. فتابعت وطالعت من بعيد بعض كتاباته.. فسرني أنه كان عند حسن ظني، بل قناعاتي وتوقعاتي المسبقة، التي تفوق عليها، بما أعرف عنه من حفر وكدح معرفي، تعززه مؤهلاته الفطرية ومواهبه الخلقية من الذكاء والمضاء.. فلذّني أن جمع كل هذا الذي كتب في صحيفة الاتحاد في مطبوعة أنيقة وكتاب واحد، أطلق عليه اسماً معبراً ودقيقاً هو (أصوات في الثقافة السودانية) الذي هو موضوع هذه (الإضاءة) تمهيداً لحفل تأبينه الأول، المقرر إقامته في يومي 10 و 11 نوفمبر المقبل بحسب اللجنة المشكلة من الأهل والأصدقاء. *قطعاً، لم يكن مكي أول من تصدى للكتابة عن (الثقافة السودانية)، ولكني أزعم- دون شطط أو أنحياز- أن طرحه عبر هذه المقالات المتفرقة، على مدى عامين متتاليين، كان أوسع شمولاً وأعمق غوراً وأدق ملاحظة من كل الذين سبقوه.. كما أنه اتسم بشيء من روحه المتسامحة، والقابلة للرأي والرأي الآخر، دونما تصنيف متعسف، سواء لموقف فكري أوسياسي أو لمشاعر حب أوكراهية، عندما تلتقى أو تتنافر كيمياء الأفراد أو أمزجتهم الشخصية.. وهذا ما جعل من (الأصوات) رؤية (موضوعية) ودراسة تقترب من (الأكاديمية) لحالة الثقافة السودانية ماضياً وحاضراً.. كما أن جزالة الأسلوب ونصاعة اللغة، أضفت على هذا العمل الفريد قيمة مضافة لقراءة في غاية الإمتاع ولذة ذهنية لا تجارى. *هذا ما حفزني لاختار العنوان أعلاه أن (أصوات) جدير بالاعتماد في المناهج الدراسية، وهذا ما سأفصله في ما يلي من هذه (الاضاءة). (يتبع)