رؤى وخفايا (1) الصحيفة الفنزويلية التي كانت قد بهرت الكثيرين عند الظهور الأول (للمهرج الدولي) لويس أوكامبو وجوقته ومسرحه، فخرجت بعنوان قوي معبر يقول (عصر لويس أوكامبو والصعلكة الدولية)، هذه الصحيفة الفنزويلية، التي عرفت بالتزامها الصلد بالعالم الثالث وقضايا شعوبه المستضعفة في قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، كما اشتهرت باطلاع واسع مستنير على خفايا مكائد قوى التجبر العالمي- الولاياتالمتحدةالأمريكية والأقطار الأوربية - وكذلك من تسميهم بأوكار التآمر المدروس لإضعاف العالم الثالث وتوهين قواه، وتأتي إسرائيل والصهيونية واستراليا على رأس هذه الفئة، ثم الكوري بان كي مون ومجلسه المدجن المغشوش، عادت (البديل) هذه الصحيفة الفنزويلية تتناول بذات القوة والإعزاز السودان ووضعية الافتراس من وحوش العصر وتابعيهم وصنائعهم، مركزة في نهج دراسي رصين على الإسفاف والسماجة التي انحدرت إليها أمريكا وأوروبا ومجلس (بان كي مون المدجن المغشوش)، مع توظيف مهول ورهيب للإعلام الدولي المملوك والموجه يهودياً وصهيونياً، والإعلام الذيلي التابع السائد الآن، الضارب في كل مكان بما في ذلك ذات الضحايا المستهدفين في العالم الثالث، ونقف الآن على النماذج والإضاءات التالية في هذا التناول الدارس فنذكر التالي: أ- استفتاء الشطر الجنوبي السوداني: وقفت الصحيفة طويلاً مع الإسفاف الذي يثير الغثيان، حيث أصبح هذا الحدث الخاص هو قضية الكون الكبيرة، من منطلق المخططات البعيدة المعدة للمنطقة كعالم ثالث (أفريقياً وعربياً وإسلامياً)، وتم توظيف الخادم الدولي بان كي مون والمنظمات الدولية، بل التجمعات والجمعيات الأمريكية والأوربية بكل أصنافها ومكوناتها، وظفت حكومات العالم والهيئات والمنظمات، حيث يسيطر الإعلام التلفزة والصحافة المثيرة والمعلقون والمؤدون، يسيطرون على الرأي العام تشكيلاً كاملاً وتلويناً متقناً. هكذا وكأن مصير العالم مرتبط بتحقيق ما خططت له أمريكا وأوروبا وإسرائيل، ذلك رغم أن أصغر طفل في العالم أصبح يستشعر استشعاراً مدركاً أن هذا الإسفاف المشين هو بعض تطبيقات لأساليب قوى التجبر العالمي على مسرح العلاقات الدولية في هذا الزمن فيما صار يعرف (في مرحلة أولى) لأساليب (الكيل بمكيالين) و(النظر بوجهين اثنين)، ثم انحدر الوضع على المسرح الدولي مع تبلور ظاهرة المهرج الدولي لويس أوكامبو، انحدر للمرحلة المنحدرة المعاشة (مرحلة الصعلكة الدولية)، حيث محاولات التطاول على العالم الثالث مع قياداته العليا المنتخبة من شعوبها، مع إطلاق الأوصاف وساقط القول جهاراً نهاراً، ومع ذلك ودون أدنى حياء، نجد سفسطة ساقطة عن (شرعية دولية) وهم يتحدثون (في مرحلة الصعلكة والانحدار)، بل يصل الأمر بهذا الانحدار الساقط فيما يتصل بذات مسألة استفتاء جنوب السودان للقيادات العليا للولايات المتحدة حين تعلن وزيرة الخارجية الأمريكية للدنيا كلها (انفصال الجنوب عن الشمال في السودان) هو قضية محسومة، بل حتمية وهو نمط من الاسفاف الساقط بمستوى (البله والعار)، ثم تمضي الولاياتالمتحدة الوحش الكاسر في استهداف ذالكم القطر الرائع المقاوم من أقطار عالمنا الثالث، تمضي أمريكا ووزارة الخارجية تعلق بواسطة خمسة من الموظفين الكبار أن أمريكا ملتزمة (بإجراء الاستفتاء)، هكذا تفرض أمريكا نفسها على السودان وحكومته، بل وكل محيطه الأفريقي والعربي والعالم الثالث أن سيادة السودان يتم انتهاكها في النمط الجديد الحديث من التجبر والطغيان، هو نمط (الصعلكة والخروج عن النظم والقوانين). ب- مسألة المنطقة السودانية البترولية لجأ السودان ربما بحسن نية وربما لتمكن أمريكا ومبعوثها للسودان والأجهزة الاستخباربة بإحداث (ثغرة اختراق) لبعض القياديين المحيطين بالرئيس البشير، ممن تنقصهم الخبرة الطويلة التي تتيح الإحاطة بالأساليب الأمريكية في التعاملات، حيث لا معنى ولا دلالة (للابتسام والود والوعود المعسولة)، وحيث يتم فتح ملفات ضخمة عن الشخصية المستهدفة، بما في ذلك دراسة طبائعه وعاداته ومحيطه والأفراد الذين يؤثرون عليه، ثم مواضع الضعف وربما القوة في شخصيته، وبعد ذلك بلورة صيغ مستويات التعامل بال(دوران واللف) حتى الوصول لصيغ قبول ويتم بعد ذلك الانتقال إلى الإغواء والإغراء وهكذا وهكذا. وبإيحاء مدروس، قبل السودان وهو القطر المقاوم القوي قبل التحكيم في قضية المنطقة البترولية، والسودان نفسه هو القطر الذي سجل بواسطة رئيسه البشير أول سابقة دولية حين رفض القرارات الدولية بشأن (دارفور) لإرسال قوة دولية ثم قدم (بديلاً) من ذات محيطه العالم الثالث (أفريقيا وآسيا)، وقد أصبحت هذه القوة (الهجين) تماماً كما أراد السودان خالية تماماً من الأمريكيين والأوروبيين. لكن السودان بتأثير من إيحاء أمريكي وباختراق لبعض القياديين قبل الرجوع (الساذج) لما يسمى (الشرعية الدولية) و(محكمة العدل الدولية)، وهي مؤسسات مدجنة تماماً، خاضعة لأمريكا وأوربا والمؤسسات المرتبطة بها، وهي بذات القدر تستهدف (كعدو حقيقي)، العالم الثالث.. ويذكر هنا أن زعيماً من جنوب السودان كان أستاذاً للهندسة في الجامعة، أصبح هو المقرب للأجهزة الأمريكية، بديلاً للزعيم الأساسي (قرنق)، الذي أعلن لأمريكا وأوربا أنه اختار (وحدة السودان).. وأنه لن يسمح لفصل الجنوب عن الشمال، فكان قرار (التخلص منه بشكل دراماتيكي)، هذا الزعيم الجديد الأستاذ الجامعي كان كامل الاطلاع على ما يدور من خطط في محكمة العدل التي تمت للوصول إلى نتائج تحقق أهداف إذكاء الصراع، وتشجيع هدف الانفصال وتحطيم السودان كقطر أفريقي له دور تاريخي ريادي في منطقته، بل شارك السودان في عام 1955م في مؤتمر باندونق وصياغة ميثاق عدم الانحياز، وحقق الإعلام الدولي الضارب المسيطر عليه يهودياً وإسرائلياً كل مخطط (صناعة القبول)Engineering of Consent في هذه المسألة، مروجاً للكذبة الكبرى (محكمة العدل والشرعية الدولية)، مروجاً لما خطط له المبعوث الأمريكي للسودان والأطقم الاستخباراتية والتدويرية العاملة معه، إذ دفع الجنوبيين الموالين لأمريكا وحركة الكنائس العالمية على التصرف كطرف أعلى في النزاع مع حكومة الخرطوم، بما في ذلك إعادة توظيف البند المتصل بتخطيط حدود المنطقة البترولية، حيث يتم الرجوع للصيغة القديمة التي كانت وضعتها أمريكا وخدعت بها المفاوض السوداني ضمن اتفاق (نيفاشا)، مع ذلك نجح الإعلام الدولي بآليته المهولة الضارية على تصوير الخرطوم وكأنها الطرف المعرقل، عكس عكساً كاملاً للوضعية لمصلحة المخطط الاستعماري الاستكباري (المخادع) و(الخادع) لجيران السودان وحتى للقيادات الكنسية في أفريقيا (كينيا وأوغندا). ج- أوضاع السودان والاستهداف الإعلامي المكثف أولاً عندما كشف (آفي ريختر) الوزير الإسرائيلي بشكل موثق ورسمي عن الدور الاستخباري الضخم الذي اضطلع به هو شخصياً وجهاز الموساد بالتنسيق التام مع أمريكا والأقطار الأوربية، ومصنع وتنفيذ خطط استهداف السودان لترويض حكوماته ولإفشال كل جهود التنمية والتطوير ثم العمل على تقسيمه لدويلات وولايات متخاصمة متصارعة حتى لا يتمكن ذلكم القطر الأفريقي الشاسع من استغلال موارده الطبيعية البالغة الثراء، ويصبح مصدر قوة ملهمة في وسط أفريقيا وعلى تخوم المنطقة العربية خاصة عندما تمكنت قيادته الشابة بزعامة الرئيس البشير من تشجيع «الصين، ماليزيا واندونيسيا»، على أن تحل محل الشركات الأمريكية، تم استخراج البترول وبنموذج غير مسبوق اتخذ صورة مشاركة استثمارية منبثقة بالكامل من العالم الثالث بذات الصورة المثلى التي كان قد بشر بها الزعماء الرواد في مؤتمر باندونق في أغسطس عام 1955م، وخطورة هذا النموذج في كونه يسلب تماماً، بل ويعري أمريكا وأوربا من مصدر تطويعها الأساسي للعالم الثالث والادعاء بأنها هي وحدها القادرة «على المنح أو المنع» للتقدم والتطوير، باعتبارها مالكة التكنولوجيا وآليات الصناعة الكبرى، فقد أوجد النموذج السوداني التنموي النهضوي سابقة، بل منارة مشعة ضخمة، أوصلت رسالة لأفريقيا كلها وفتحت أبوابها للصين وماليزيا والهند والنمور الآسيوية، كما أدركت أفريقيا كلها الخداع الأمريكي الأوربي. عندما جاءت الصين القطر الآسيوي المؤسس لميثاق «باندونق» وحركة عدم الانحياز بالصين وزعيمها القديم «شوين لاي» هو الأب المؤسس والمنظر لحركة عدم الانحياز كأساس حقيقي لمقاومة الغزو والاستعمار والطغيان، ثم هو الطريق الوحيد لصناعة الطريق الثالث بعيداً عن «الرأسمالية والشيوعية» لإيجاد نهضة ذات خصائص ومواصفات قيمية إنسانية وأخلاقية ترتكز على المواريث والإرث الحضاري للشعوب القديمة التي جاءت بالرسالات السماوية للبشرية وهي أقطار العالم الثالث، كما أنها هي مهد الحضارات البشرية والأساس الذي تقوم عليه الحضارة والتي تعاني الآن من «التدخل والتداخل» الأمريكي والأوروبي القائم على الإمعان في المادية الصماء وأنواع الخداع والاستنزاف للضعفاء وسلبهم الموارد والخامات، ثم الاحتفاظ بهم فقراء جهلاء ومرضى ليكونوا دوماً تابعين مستسلمين يتكففون المعونات والإعانات ويستوردون كل شيء ولا يصنعون أي شيء، ثم اكتشفت أفريقيا صيغ التعاون والتعامل الاستثماري والتنموي الجديد مع الصين وشركاتها اكتشفت البون الشاسع ومدى الاستنزاف الذي تكرسه الشركات الأمريكية والأوروبية مع الغطرسة وأنواع الهيمنة للدرجة التي اضطرت المراكز البحثية خاصة الصهيونية لإصدار بحوث ودراسات بصفة دورية على مدار الساعات عن تنامي الاستثمارات الصينية والهندية والماليزية والأندونيسية في أفريقيا وأنحاء العالم الثالث «مقابل» التدهور في الوضعية القديمة للهيمنة الأمريكية والأوروبية بما يسارع في قانون «الغلة المتناقصة» أو ما سمي «Curve Down Process»، حيث النضوب المتسارع للموارد والخامات في الأراضي الأمريكية والأوربية مع انسداد الأفق مستقبلياً مع إمكانات الاستنزاف القديم لأقطار أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية ومواردها الطبيعية الشاسعة وخامتها البكر وكل نطاق الاستثمارات الكبرى، فقد عمت الصحوة في هذه الأقطار، ويمثل النموذج السوداني مصدر إلهام حقيقي «Real Source Of inspiration»، هكذا إذاً صيغت الخطط ووضعت البرامج المدروسة الشاملة وتم حشد وتعبئة الإعلام الدولي المهول الضاري حتى يحيل الأبيض أسود.. و«يقلب ويقولب» الصورة الذهنية بالأساليب الأدائية الإخراجية البالغة الإتقان كما نجد ذلك في الصيغ الإلكترونية للتقانات المبتكرة التي وظفت الانترنت وتقاناته وأساليبه الإلكترونية في تفجير قضية غرب السودان المعروفة «دارفور»، فأحال النزاع الأفريقي الشائع والمعروف بين القبائل الرعوية والقبائل الزراعية حول مناطق الرعي الموسمي «الكلأ»، وأماكن السقي «الري» الماء الكافي، أحالته إلى قضية «دولية كبرى» وكأنها قضية إخضاع وتغول عنصري «عربي في مواجهة غير عربي»، «مسلمين في مواجهة مسيحيين»، ونجحت الحبكة الإلكترونية والترويج الدولي المهول في خداع الدنيا كلها، بل خداع بعض أهل السودان أنفسهم مثل الزعيم المعروف «المهدي»، وإذا كان علم الإعلام في مقولات العالم «ماكلو هان» يعتمد في الأساس على «فاعلية التدفق بالنقل والتداول» «Effectiveness Of » The flow Of Information Two Steps Process Inf».فإن الإعلام الدولي المسير صهيونياً ابتدع نمطاً جديداً خطيراً يحقق السوق للبشر، سوقاً بعقلية القطيع «Herd Instinctive»، إذ «قولب قولبة» أحداث دارفور حتى تحول «تعاطفاً» كاذباً مكذوباً مع القتلى والمتآمرين أمثال وزير الخارجية الفرنسي الحالي «برنار كوشنير» وقد كان من أوائل من شاركوا «يهودياً» في المخطط عندما كان ضمن أطباء بلا حدود في السودان بأفريقيا، وهذه المنظمة هي أول من تحدث عن «تطهير عرقي لدارفور» قبل ظهور المشكلة، ويشير بذلك للتعاطف الواسع بمستوى الرأي العام في أنحاء الدنيا، حيث فعلت الحبكة الإلكترونية فعلها، واعتبر كل هؤلاء أن حكومة السودان تستحق إدانة وهي ذات الوضعية التي خطط لها الاستعماريون القتلة المتربصون بالسودان وبكل أقطار العالم الثالث- ولكن- الأيام ستكشف الحقائق، حيث قد لا ينفع الأبرياء الندم، ذلك أن هذا العصر لا يحتاج المسايرة والاستسلام لترويج الإعلام الدولي في القضايا المطروحة من قوى التجبر والهيمنة، ذلك أننا نعيش مرحلة (الصعلكة) في السلوك الدولي، فقد ماتت عصور (النظام والشرعية الدولية) منذ أن سيطر القطب الواحد واحتكر الأممالمتحدة ومجلس الأمن ووظف الدنيا كلها تحت ادعاء (العولمة) (Globalization).. هنا لابد لإعلام العالم الثالث من وقفة الضمير والالتزام الأخلاقي قبل أن يخدع ويخضع ويساير مخططات الصعلكة الدولية وإعلام الصهيونية المعادية للمثل والقيم الإنسانية، فلا يتصور أن تسعى (صحافة أو تلفزيون أو راديو) لترويج ما يتقول به أمثال (أوكامبو) وبعض المحاكم الدولية وحتى بعض الهيئات والمؤسسات، لا يتصور أن لا يدرك إعلامي مؤهل (حقائق) هذا العصر ومسارات التعاون والعلاقات، ثم نتحدث عن شرعية دولية والبشر في غزة الفلسطينية يحاصرون في إبادة جماعية ومجلس الأمن لا يذكر حتى قرارات الأممالمتحدة، بل أمريكا وأوربا لا تدين استعمار إسرائيل واحتلالها ثم غزوها وحصارها.. فأي مجتمع وعصر هذا؟!.. لمن الشرعية في عصر الصعلكة؟! (ونواصل هذا التدارس الفنزويلي حول السودان والعالم الثالث) في حلقة قادمة.