في الأساطير اليونانية أن اليونانيين حين فشلوا في اقتحام الأسوار الحصينة لمدينة (طروادة) لجأوا إلى حيلة ماكرة، حيث صنعوا حصاناً خشبياً ضخماً أدخلوا في جوفه مائة من أشد فرسانهم ومقاتليهم ثم تظاهروا برفع الحصار عن طروادة وانسحبوا إلي سفنهم وأبحروا بها بعيداً عن الشاطيء.. فظن الطرواديون أنهم قد انتصروا فخرجوا فرحين من المدينة للاحتفال بالنصر، فرأوا الحصان الخشبي الضخم.. فأعجبوا به وقاموا بجره إلى داخل المدينة وأقاموا حوله احتفالاً كبيراً فتعاطوا ورقصوا ومرحوا حتى غابوا عن الوعي، فانطلق المقاتلون اليونانيون الذين كانوا في جوف الحصان الخشبي مخترقين حشود أهل طروادة السكارى إلى باب المدينة وأسوارها المطلة على الشاطيء، وفتحوا الباب وأحدثوا فتحات فيها مرت من خلالها القوات اليونانية التي عادت إلى الشاطيء حسب الخطة المرسومة ودخلت المدينة دون عناء وعاثت فساداً في طروادة فقتّلت أهلها وأحرقتهم. مع الفارق في بعض التفاصيل هنا وهناك، فإن الحركة الشعبية التي فشلت فشلاً ذريعاً في تطبيق مشروعها المسمى بالسودان الجديد، والذي تبدد وتلاشى الأمل في تطبيقه يوم أن ارتطمت طائرة زعيم الحركة السابق (جون قرنق) وهوت بها الريح في مكان سحيق، وبعد أن عجزت رغم المحاولات المتكررة في اقتحام أسوار (السودان القديم) كما فشل اليونانيون في اقتحام حصون (طروادة)، فإن العصبة التي تمسك فعلياً بمقاليد الأمور في الحركة لم تيأس ولا تزال تراودها أحلام (السودان الجديد) حتى بعد أن أصبح انفصال الجنوب واقعاً يمشي بين الناس، هذه العصبة ربما أعجبت بدهاء القائد اليوناني الذي لجأ إلى حيلة الحصان الخشبي، وهو موجود أصلاً ولكن يحتاج إلى ترميم وإصلاح لتنجح مهمته، وحصان الحركة الخشبي هو قطاع الشمال الذي تعده الحركة الآن ليقوم بدوره المرسوم له بدقة وقد حسبت حساب كل شيء، وبدأت هذا الإعداد بذر الرماد في العيون بافتعال الجفوة بينه وبين الحركة الأم إمعاناً في التمويه. الحركة الآن تختار بتمهل أولئك (الفرسان والمقاتلين) من دارفور ومن الشرق ومما يسمى بمناطق الهامش، مطعمين ببعض حملة الهويات الأجنبية لزوم الحصانة للذين ستحشو بهم جوف حصانها الخشبي ومن بينهم رجال كنا نعدهم من الأخيار، لينطلق كل هؤلاء (لحم الرأس) صوب الأبواب المغلقة الآن في وجههم لفتحها لتمر من خلالها جحافلهم وتقع الواقعة ويتحقق الحلم المستحيل وتصبح الأسطورة واقعاً . لكن مشكلة ومصيبة هذه العصبة أنهم يخططون وفي أذهانهم أن الناس في الضفة الأخرى من النهر سيحدث لهم ما حدث لأهل طروادة وسيكررون غلطتهم الفادحة حذوك النعل بالنعل فيرقصوا ويمرحوا بعد أن يغيبوا عن الوعي لتهجم عليهم فرق لحم الرأس، ونسيت عصبة الحركة التي تخطط لذلك أن الضفة الأخرى هي الأخرى تقرأ كل شيء بما فيها الأساطير اليونانية وحتى أساطير قبائل الشلك و نبوءات النوير وكثير من حكم وأمثال الدينكا، لذلك لن تنطلي عليها الخدعة. الضفة الأخرى لم تحرق مراكبها ولم تكسر أشرعتها ومجاديفها ولم تسرّح أولئك الفتية عاصبي الجبين الذين كلما ادلهمت الأمور وسارت نحو الهاوية، خفّوا إلى قادتهم قائلين نحن أولو قوة وبأس شديد والأمر إليكم فانظروا ماذا تأمرون، وفي كل مرة تصرفهم القيادة لأن في رقبتها ميثاقاً غليظاً لن تنفك منه إلا بعد أن تنقضي مدته، فينصرفوا طائعين وأعينهم تفيض من الدمع حزناً، هؤلاء الفتية هم الآن يتابعون عملية حشو الحصان الخشبي لحظة بلحظة.. ويحفظون كل (ألواحه) و(مساميره) و(دساتيره) و(ترابيسه) و(مفصلاته)، هم سيجرون الحصان إلى داخل المدينة كما فعل الطرواديون، ولكنهم سينقضّون على من بداخله ويميلون عليهم ميلةً واحدة.. هؤلاء الفتية ينتظرون على أحر من الجمر إشارة البراءة من الميثاق الغليظ لتحطيم الحصان الخشبي ومن بداخله، تأميناً للوطن العزيز من شرورهم التي احتملها سنين عددا.