كلمة التحري من الكلمات التي يشاع استعمالها في أعمال المباحث.. وقد يكون لها في ذهن كل منا معنى معين ومدلول خاص.. فالتحري هو البحث عن حقيقة أمر تدل الوقائع العامة على قرب حدوثه أو أنه وقع ولم يتأكد من قام به، أو هو جمع المعلومات التي تؤدي إلى كشف هذا الأمر، سواء كان شخصاً أو موضوعاً أو شيئاً. وقد جرى العمل على استعمال عبارتي مصادر ووسائل التحري بمعنى واحد، إلا أن هناك فرقاً بين مصادر التحري ووسائل التحري.. فمصادر التحري هي المنابع التي تستقى منها التحريات معلوماتها، أما وسائل التحري فهي الطرق التي يتم بها التحري.. فالجمهور وما يذيعه من أحاديث وأخبار مثلاً هو مصدر من مصادر المعلومات، ولكن ليس وسيلة للتحري، فوسيلة التحري هنا قد تكون (المحادثة) أو بث المخبرين والمصادر الحية.. الخ ويمكن أن تقسم مصادر التحري بالنظر إلى مختلف جوانبها إلى ثلاثة أقسام: أولاً: المصادر العامة والمصادر الخاصة: ونقصد بالمصادر العامة الأفراد والأماكن والجهات الحكومية وغير الحكومية التي يمكن لرجل المباحث أن يستقى منها المعلومات، دون أن يكون بينه وبينها ارتباط خاص، بمعنى أنه يمكن أن لغيره أن يستقي نفس المعلومات. ونقصد بالمصادر الخاصة الأفراد والأماكن والجهات الحكومية وغير الحكومية التي يرتبط بها رجل المباحث ارتباطاً وثيقاً معيناً، بحيث يستقي منها معلومات لا يمكن أن يستقيها غيره وفي نفس الظروف. فهناك من الأفراد ما يكون لضابط المباحث علاقة معينة بهم تجعلهم يفضون اليه بما يعلمون من أمر معين، بل ويجندون أنفسهم لجمع المعلومات التي يطلبها منهم، وكذلك يستطيع ضابط المباحث أن يوطد علاقته ببعض الأماكن والجهات الحكومية بحيث يستطيع أن يحصل منها على معلومات لا يمكن لغيره في نفس الظروف أن يحصل عليها، فتعتبر بالنسبة له مصادر خاصة، ويمكن أن يقال ذلك عن بعض الجهات غير الحكومية، فمكاتب التخديم (استخدام العمال) مثلاً، يستطيع أن يحصل منها ضابط المباحث على معلومات وأسرار عن الشغالين وخدم المنازل ولا تعطى في العادة لغيره. ثانياً: المصادر العامة والمصادر الخاصة: ويقصد بالمصادر العلنية تلك المصادر التي يستطيع الكافة أن يستقوا منها المعلومات- كالصحف ومكاتب الاستعلامات وأحاديث الجمهور.. الخ.فيمكن لضابط المباحث وغيره أن يحصلوا منها على المعلومات المطلوبة.أما المصادر السرية فهي تلك المصادر التي تمد رجل المباحث بالمعلومات بحيث لا يكشف عنها ابتغاء مصلحة عامة، اقتضاها صالح الأمن أو مصلحة خاصة اقتضتها صفة هذه المصادر ذاتها.. فالمصدر السري يجب عدم كشفه وإلا أصبح غير قادر على الحصول على المعلومات، وأصبح مهدداً في سلامته، وقد تكون لبعض الأشخاص مصلحة معينة في أن يغشوا ضابط المباحث سراً بما يعلمونه عن جريمة ما، إلا أنهم لا يرغبون في الظهور علناً.فهذه المصادر يجب ألا تكشف، والمراقبة السرية هي بطبيعتها مصدر سري من مصادر التحري يجب عدم كشفها وإلا لما حققت الهدف منها. ثالثاً: المصادر المعلومة والمصادر المجهولة. يقصد بالمصادر المعلومة جميع المصادر سواء الأشخاص أو الجهات التي تمد ضابط المباحث بالمعلومات بناء على اتصاله بها، وبالتالي فإن جميع المصادر تعتبر معلومة ما عدا بعض الحالات: 1/ حالة ورود خطاب لضابط المباحث لا يكشف عن شخصية مرسله أو شكوى خالية من اسم مرسلها وغير مفصحة عنه أو مكالمة تلفونية من مجهول. 2/ حالة ما إذا نقلت التحريات إلى ضابط المباحث من أحد أفراد الشرطة السريين أو أحد الضباط الآخرين دون ذكر اسم مصدرها فهي بالنسبة لضابط المباحث الأخير تحريات مجهولة المصدر، وقد يعول عليها في اتخاذ الإجراء الذي ينبغي. رابعاً: الجمهور وما يذيعه من أحاديث وأخبار: يعتبر الجمهور وما يذيعه من أخبار وشائعات من أهم مصادر التحري، وذلك لأن الوقائع والحوادث إنما تحدث وسط الجمهور نفسه، وأخبار الجمهور وشائعاته عن هذه الوقائع يمكن عن طريقها أن نستخلص أو نستنتج المعلومات التي نريدها بعد الربط بينها.، فالتقاط الأخبار عن ألسنة الناس من المسائل المحفوفة بكثير من الأخطاء، فقد تنتشر الشائعة بين الناس لأن مغرضاً روج لها، فيخيل لمن يحس باجماع الأغلبية عليها أنها حقيقة واقعة.وقد يضلل المغرضون رجل المباحث، فيهدونه إلى أكثر من مصدر للتحري، ولا يكون المصدر الأصلي واحداً منهم، وقد يردد الناس أن شيئاً قد حدث، بينما لا يكون الواقع إلا مجرد رجاء أو ظن أو تخمين في شأن أمر من الأمور، والجمهور المقصود هنا هو المطلع أو المتصل باحداث الواقعة، ويمكن الحصول على المعلومات من الجمهور عن طريق: أ/ السؤال المباشر وذلك في الحالات التي لا تتطلب السرية. ب/ بث الشرطة السريين والمصادر السرية في المناطق التي تحتمل وجود معلومات لالتقاط الأخبار والشائعات. ج/ انتحال شخصية مناسبة مع البيئة والوسط الذي سيعمل فيه رجل المباحث لمعرفة المعلومات والحقائق. د/ المحادثة مع أشخاص معنيين تسمح لهم طبيعة وظيفتهم أو مهنتهم بمعرفة الأخبار والمعلومات (كموظف البريد- الخدم- عمال الفنادق.. الخ)