عدد من الساسة في دول العالم الثالث يدخولون عالم السياسة مصادفة ولعل البعض منهم يجد نفسه مضطراً أن يدخل مجال السياسة المليء بالمتناقضات والمواقف المتقلبة.. هذا العالم الغريب الذي لا يخلو من التعرض للضغوط والإغراءات.. وغالباً ما تؤدي إلى تغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة طمعاً في مال أو سلطان. هؤلاء الفئة من الساسة معظمهم يجهلون أدبيات السياسة وفنونها لذا يغيب عنهم المقدرة في متابعة حركة التاريخ أو متابعة الأحداث وتحليلها واستقراء المستقبل وهذا يرجع لعجزهم في استخدام لغة الاحتمالات وتوقع المفاجأت التي تغير مجرى مجرى الأحداث ولربما تأتي عكس ما يتوقعه هؤلاء الساسة الذين لم يتشربوا السياسة بالوراثة أو بالدراسة أو بمواجهة المواقف الصعبة التي غالباً ما يتعرض لها الساسة من دخول السجون والمعتقلات كمعارضة أو لاتخاذهم مواقف ضد سياسات النظم الحكم القائمة.. العالم الثالث موبوء بظاهرة وجود سياسيين من هذا النوع يظهرون فجأة نتيجة انفجار مشكلة جماهيرية أو حشد جماهيري يتعاطى قضية بعينها سواء كانت معيشية أو اقتصادية أو سياسية أو أمنية هؤلاء عادة نطلق عليهم رموز المواقف حيث تكون حنجرتهم وجرأتهم هما الوسيلة الوحيدة لظهورهم على السطح.. البعض منهم لا يواصل مشواره ويصبح ظهورهم وليد اللحظة ويزول المؤثر لكن البعض يتشجع ويحاول التجربة مراراً وتكراراً ليصبح في النهاية رمزاً لا تخطئه العين ويواصل مشواره ولا يتوقف ويستمر في استقلال المواقف لتنمية قدراته ومع تكرار التجربة يصير شخصية ذات وزن واحترام أما المغامرين والمهرجين يظل دورهم محصوراً في إحداث الفوضى ويصبحون أصواتاً نشازاً ومن مثيري الشغب والتصريحات التي لا تتوافق مع الواقع ولذلك يفقدوا مصداقيتهم لدى العامة ويعتبرهم الشارع السياسي الساسة المثيرين للجدل. نحن في السودان ننتمي الى منظومة العالم الثالث وعندما نقول السودان القصد منه السودان الكل الموحد بكل حدوده الجغرافية شرقاً وغرباً وشمالاً و جنوباً إلا أننا الآن نعيش جميعاً في حالة حراك سياسي مشحون بالتشنجات والهواجس والقلق فيما يتعلق بإجراء الانفصال الذي أكدت الحكومة المركزية مراراً وتكراراً موافقتها ومباركتها له، وكلنا متفائلون انه بصرف النظر عن رغبة ذوي المصالح الذاتية لعدد من الساسة الجنوبيين غلاة الانفصال أن رجل الشارع الجنوبي كان مع الوحدة القائمة أصلاً ولعل درجة الوعي السياسي التي وصل اليها المواطن الجنوبي منذ اتفاق نيفاشا وحتى الآن أدرك جيداً أنه مهما حاول أصحاب الأصوات النشاز للفصل بينه وبين اخيه الشمالي فهم حتماً لن يحصدوا إلا الريح ولن يستطيعوا تزييف إرادة المواطن الجنوبي وارتباطه الوجداني بالمواطن الشمالي. عموماً نقول إن ما نشاهده الآن بالجنوب من أوضاع غير مستقرة فالكل يعيش في أجواء يخيم عليها هاجس الرعب وان عواصمالولايات الجنوبية تشهد حراكاً سياسياً محموماً وبالاخص مدينة جوبا حاضرة الجنوب تشهد زخماً سياسياً غير مسبوق فهنالك تواجد مكثف من مواطني دول الجوار واجناس اجنبية جاءوا ليرصدوا خطوة بخطوة كيف يتجه الرأي العام الجنوبي ونظرة الرجل الجنوبي للانفصال بل يرصدون تحركات وتصريحات الساسة الجنوبيين للتعرف على مؤشرات التأثير من النخب على المواطن الجنوبي ودرجة تأثير الانفصال على عقلية المواطن الجنوبي. غلاة الانفصال من الساسة الجنوبيين عليهم أن يضعوا مصلحة الجنوب وبني جلدتهم في المقام الأول فالانفصال هو الواقع الجديدوالذي سيغير وجه الجنوب وهو الذي نسف جهود الذين أتوا باتفاق نيفاشا وسيصبح الانفصال وبالاً على الجنوب ولعنة تطارد غلاة الانفصال يتوارثها الأبناء من الأباء عبر الأجيال فهل فكر الجنوبيون جميعاً فيما بعد الانفصال فاحتمالية حدوث فوضى سياسية وصراع قبلي وقتال مستعر على الثروات والممتلكات هى أكيدة؟ وإذا حدثت الفوضى ونتج عنها فراغ سياسي من يملي هذا الفراغ ما دام الجنوب سيصبح منطقة مفتوحة بحكم تجاوره مع دول عديدة أيها الساسة سادتي احذروا ثم احذروا تخطي أسوار الوحدة الوجدانية ، وانظروا كيف أصبحت الحالة العراقية والأفغانية وما فعلته القاعدة في اليمن والصومال وتابعوا الأحداث حولكم وستعرفوا ،فالجنوب على مرمى حجر من القاعدة فالحذر كل الحذر.