القرار الذي بشر به وزير المالية مؤخرا ليس كافيا ، لابد ان نعرف اولا لماذا تم تخصيص« سودانير » اصلا ، ومن بعد ذلك يتوجب معرفة اسباب العودة عن قرار التخصيص الذي تم بعجالة مريبة و في ظروف غامضة ، فالمؤكد ان استعادة «سودانير » مرة اخرى اعتراف صريح بفشل التجربة ومحاولة لتصحيح الاوضاع التي كانت قبيل الخصخصة سيئة وازدادت سوءا وقبحا بعدها . واذا كانت البشرى التي حملها وزير المالية بعودة «سودانير» بنسبة 100 % قد اثلجت صدور الغيورين على الناقل الوطني فان هذه الاستعادة التي جاءت متأخرة ستظل منقوصة ان لم يفتح الملف بكامله والتحقيق في ملابساته التي نتج عنها تدهور مفزع عبر عنه المواطنون في مرات كثيرة وهم يذوقون صنوفا من عذابات السفر على متن الخطوط الجوية السودانية التي تحولت بعد الخصخصة الى وسيلة لاشقاء البشر وليس وسيلة الى نقلهم ، والى « بقرة حلوب » يسعى من يملكون اسهمها لاستنزافها بأسرع وقت ممكن ومن بعد ذلك دونها والموت الرحيم .كان خطأ فادحا تخصيص الناقل الوطني ، وظل السكوت عنه طوال هذه المدة افدح ، ومهما كانت المبررات والذرائع فان ثمن هذه الخصخصة كان باهظا وسنظل ندفعه الى وقت طويل ، فالناقل الوطني الذي يمثل بعدا سياديا لايمكن التخلص منه بتلك الطريقة المهينة وفتح الباب على مصراعيه وبكل سهولة ويسر ليكون الاستثمار الاجنبي شريكا متحكما فيه ، والناقل الوطني الذي يعتبر من اهم وسائل النقل الاستراتيجية في مقابلة الاحتياجات الطارئة والقيام بالمهام العاجلة لايمكن ان يصبح عبئا ثقيلا على الدولة وان يخضع لمنطق الربح والخسارة ويتحول الى مصدر للدخل السريع بدلا من ان يكون مدخلا سياديا للأمان والاستقرار .صحيح قد تكون هناك ظروف عجلت بخصخصة « سودانير» منها الحصار والفشل في ادارة هذا المرفق الحيوي بشكل يوازي اهميته ، لكن الايام اثبتت ان التوجه الى « البيع» لم يأت بالحلول بدليل استمرار تراجع خدمات « سودانير » وهيمنة مطلب « الربحية » على ضرورات تحسين وتطوير الناقل الوطني . ان عودة «سودانير » وفق ماأعلن وزير المالية في مؤتمره الصحفي الاخير يمثل عودة الى الصواب ويعيد الثقة مجددا في قدرة الدولة على القيام بمهامها الوطنية والسيادية والخدمية ولكن لاينبغي التهاون في التحقيق الجاد في ملف « سودانير » لأن ذلك سيمثل الضمانة الوحيدة لانتشالها من دائرة الفشل وتحصينها من السقوط مجددا في دوامة التخبط والخطأ . ماوراء اللقطة : الهبوط الاضطراري قد ينجي الطائرة وركا بها من التحطم ، لكنه لن يخفي حقيقة ان هناك خطأ ما كان وراء عدم الهبوط الآمن !!