بات في حكم المؤكد، بعد انسحاب نواب كتلة الحركة الشعبية لتحرير السودان، من جلسة الهيئة التشريعية العليا يوم أمس الأول الثلاثاء، والتي كانت مخصصة لإجازة قانون استفتاء جنوب السودان لعام 2009م، احتجاجاً على إلغاء البند (3) من المادة (27) التي تحدد مراكز التسجيل والاقتراع.. نقول: إنه بات في حكم المؤكد أن الأزمة بين شريكي الحكم أضحت مستفحلة، ومزمنة، ولن يتضرر منها سوى الشعب السوداني كله في الشمال والجنوب. والبند (3) محل الخلاف ينص على أنه لا يجوز للناخب الذي تعود أصوله إلى أحد الأصول الاثنية في جنوب السودان، ولم يكن مقيماً إقامة دائمة دون انقطاع، في جنوب السودان قبل أو منذ الأول من يناير 1956م، لا يجوز لهذا الناخب المذكور التسجيل، أو الاقتراع، في المواقع الأخرى أي أن هؤلاء عليهم التسجيل والاقتراع في جنوب السودان فقط. وشمل البند محل الخلاف أيضاً المنع للناخب المقيم إقامة دائمة ومتواصلة دون انقطاع، أو أي من الأبوين، أو الجدين مقيماً إقامة دائمة، ومتواصلة دون انقطاع، في جنوب السودان قبل أو منذ الأول من يناير 1956م.. وقد تم منع هؤلاء أيضاً من التسجيل والاقتراع في المواقع الأخرى، واقتصر تسجيلهم واقتراعهم على جنوب السودان فقط. اللجنة الطارئة لدراسة مشروعي قانون استفتاء جنوب السودان، واستفتاء جنوب أبيي، بررت إلغاء هذا البند بتعارضه مع نصوص الدستور في المادة (42) الخاصة بحرية التنقل، فلا يصح حسبما ذكرت رئيسة اللجنة الأستاذة بدرية سليمان، أن يحرم الجنوبي المستوفي لشروط أهلية الناخب في سجل الاستفاء من أن يدلي بصوته إلا في جنوب السودان، ولا يسمح له بالتسجيل أو الاقتراع في المواقع الأخرى التي قد يوجد بها في تلك الأحايين، رغم أن القانون يسمح بالتسجيل والاقتراع بجنوب السودان وحتى خارجه في المواقع الأخرى بولايات الشمال، ودول المهجر المحددة في القانون، متى ما كان الشخص مستوفياً لشروط أهلية الناخب. وفي ذات اليوم وصف الدكتور غازي صلاح الدين رئيس كتلة نواب المؤتمر الوطني ذلك البند بأنه مقيد، فالجنوبي من أصول جنوبية قديمة لا يستطيع أن يدلي بصوته في الاستفتاء إلا إذا ذهب وسجل في الجنوب. لذلك رأينا في (آخر لحظة) اليوم أن نستكتب الدكتور غازي صلاح الدين لتبيين وجهة نظر المؤتمر الوطني، على أمل أن نستنطق أحد رموز الحركة الشعبية حول تمسك الحركة بهذا البند. حل أزمة الحكم في ظل تجدد عناصر الخلاف يبدو مستحيلاً، ونحن لا نريد أن تتضرر بلادنا؛ فالوطن أكبر من الأشخاص، والأفراد، والجماعات التي تلغي غيرها.. الوطن أكبر من المؤتمر الوطني، وأكبر من الحركة الشعبية، ولا بد من ممارسة الضغوط على الشريكين معاً للجلوس من جديد للبحث في الأزمة ومسبباتها، حتى ولو أدى الأمر إلى تعديل الدستور.. فالدستور ليس قرآناً منزلاً، ولا إنجيلاً يحرم المساس به. والله ولي التوفيق..