كشفت الثورات الشعبية التي انتظمت عدداً غير قليل من الدول العربية عن محنة ومأساة كبيرة كانت تعيش تحت وطأتها شعوب هذه الدول وتحت حكم رؤساء ضعاف وفاسدين و بعض «مجانين» وخونة، خاصة في تلك الدول التي نجحت فيها الثورة في الإطاحة بنظام الحكم فيها، وتلك التي في طريقها إلى النصر والإطاحة بالنظام الحاكم . ففي تونس التي افتتحت الماراثون وكان لها شرف إشعال «شعلته»، وبعد أن هرب «بن علي» وانهار من ورائه نظامه اكتشف الناس حقائق مذهلة عن النظام وعن حياة الرئيس المخلوع الذي اتضح أنه كان شخصاً ضعيفاً جداً أمام زوجته التي أدمنت إذلاله وإهانته حتى استمرأ الذلة والمهانة، وأصبحت هي الحاكمة الفعلية لتونس والمتصرفة الأولى في خزينة الدولة «تبعزقها» كيف شاءت وأنّى شاءت وتعيّن من تشاء وتقيل من تشاء حسب هواها ومزاجها . كذلك فقد تكشفت فضائح علاقات بن علي الحميمة مع إسرائيل وكان غطاء هذه العلاقة «عدم التطبيع» بين البلدين، فقد وفر هذا الغطاء فرصة كبيرة لقيام علاقات في السر ما كان يمكن أن تقوم حتى في ظل علاقات دبلوماسية علنية، فقد كشفت مصادر استخباراتية إسرائيلية مؤخراً معلومات بثتها القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي مفادها أن «بن علي» كان صديقاً لإسرائيل وأنه كان «أحد» أهم الرؤساء في العالم العربي الذين دعموا السياسات الإسرائيلية بصورة سرية، ودللت هذه المصادر على ذلك بعدد من مواقف بن علي وأبرزها منعه خروج المظاهرات المنددة بإسرائيل خلال حربها علي غزة عام 2008م ومنعه حملات تجميع الأموال والإعانات من الشعب التونسي لسكان غزة في تلك الأيام العصيبة. وفي مصر تفاجأ المصريون بمعلومات وحقائق عجيبة عن فساد ممنهج كان يمارسه مبارك وأبناؤه وبطانته، وأن النظام كان عبارة عن زواج متعة، طرفاه السلطة والمال، واكتشف المصريون أنهم كانوا محكومين من قبل «عصابة حرامية» يتزعمها حسني مبارك، عبثت بثروات مصر وبذرتها تبذيراً وسرقت من خزائنها أموالاً طائلة حولتها إلى حساباتها المليارية في الخارج و كل يوم تتكشف فضائح هذه العصابة، وقد قرأت بالأمس عن كلب الرئيس المخلوع الذي كان يلتهم يومياً ثلاثة كيلو من اللحوم ويشرب الزبادي الطازج ويعتني به شخص مفرغ لهذه المهمة ويتم علاج الكلب بالخارج على نفقة الدولة من الأمراض العضوية والنفسية التي تصيبه، حيث يتم الحجز له لدى أبرع الأطباء البيطريين في أوروبا و ينزل في فنادق خمسة نجوم خاصة بالكلاب.. يحدث هذا وفي مصر من كان يمر عليه اليوم واليومان وهو على «لحم بطنه». أما على صعيد الخيانة والصداقة مع إسرائيل فموقف النظام إبان الحرب على إسرائيل وإصراره على غلق معبر رفح لا يحتاج إلي تفصيل فكل العالم كان شاهداً على هذه الفعلة القبيحة والشائنة التي ساهمت في التضييق على أهل غزة وحصارهم لتتمكن الآلة الحربية الإسرائيلية من حصدهم. وفي ليبيا أظهرت الثورة المباركة التي يقودها فتية آمنوا بربهم والتي ستنتصر عاجلاً غير آجل لأن شعارها ورايتها التي ترفعها هي راية «الله أكبر» وهي أقوى راية، هذه الثورة أسقطت عن نظام القذافي ورقة التوت التي كان يتستر بها وكشفت حقيقة القذافي الذي ما هو إلا نمر من ورق أدمن الكذب والاستخفاف بشعبه واتضح أنه لم يكن يمتلك من صفات الزعامة شيئاً، وأنه كان ولا يزال مجرد رجل مريض بجنون العظمة.. هذا المرض الذي صور له زيفاً أن كل الليبيين في كل بيت ودار وشبر وزنقة في «جماهيريته» المزعومة يحبونه ولا يحبون أحداً غيره، وأن مبلغ وقمة وطنيتهم تقاس عنده بحبهم له، فالوطني عنده ذلك الذي يحب القذافي أكثر من نفسه وماله وولده، وأن من لا يبلغ هذه المرتبة من الحب له لا يستحق العيش، بل هو من الجرذان والمقملين والمهلوسين. وقد استمعت إلى خطابه أمس الأول فتأكدت من جنون الرجل وخبله وخبل من معه وبؤس أولئك المساكين الذين حُشروا إلى باب العزيزية حشراً ليكونوا دروعاً بشرية لفداء الزعيم الخائف، ولاحظت أن الكاميرا ركزت بشكل ملفت على «الزعيم» وهو يهزي بأكاذيبه عن المظاهرات التي تنتظم الكرة الأرضية دعماً ومناصرة له وأن النصر حليفه، رغم أنه لا يستطيع مغادرة مخبئه في باب العزيزية. وفي اليمن نموذج غريب جداً للتكرار الذي يبرع فيه (........) تكرار أخطاء غيره بغباء نادر يستحق الدراسة فلا بد وراء الأمر شئ لا ندرك كنهه .. الرئيس الذي يوشك على الرحيل قسراً لا طوعاً، معروف عنه أنه كان وما يزال حليفاً لواشنطون وخادماً مطيعاً لسياساتها في بلاده وخاض عنها بالوكالة حرباً شرسة ضد مواطنيه فيما تسميه أمريكا الحرب ضد الإرهاب، وهاهي أمريكا التي لا تعرف الوفاء وحفظ الجميل تقف متفرجة عليه في «زنقته» وتشير له بأن لا مخرج لك غير التنحي والرحيل غير مأسوف عليك، وحال الرئيس اليمني هذه الأيام «يحنن الكافر» فقد تخلى عنه أخوه وقبيلته وفصيلته التي تؤويه وأضحى معزولاً إلا من بعض منتفعين و طامعين وخائفين.. ولعل أعجب ما طلبه من شعبه أن يمهلوه حتى يناير القادم وهو طلب على ما فيه من سذاجة فهو يظهر مدى المهانة وحالة الضعف والانكسار التي بلغها الرجل الذي كان حديثه في الماضي ينطوي علي التهديد والوعيد ومنطق القوة وحده، وهو القائل قبل سنوات أن «حكم اليمن مثل الرقص على رؤوس الثعابين»، وعليه الآن أن يعطي «شبال» لهذه الثعابين التي تحيط به من كل جانب.. يا لها من محنة عظيمة عاشها التونسيون «23» عاماً تحت حكم «عميل لإسرائيل»، والمصريون «30» عاماً تحت حكم «زعيم حرامية» والليبيون «42» عاماً حتى الآن تحت حكم رجل «مريض بجنون العظمة» واليمنيون «32» عاماً حتى الآن تحت حكم رجل يريد أن يستمر في الرقص على «رؤوس الثعابين..!