السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قطر.. أميرها ووزيرها والثورات العربية

عند قراءة أحداث الربيع العربي هناك مجموعة من الثوابت التي لابد من أخذها في الأعتبار لكي يتم التوصل إلي نتائج صحيحة، من تلك الثوابت إن بداية هذه الثورات كانت بصورة مفاجئة للجميع حتى للولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها ممن كانوا يدعون الإحاطة والمسبب بأي فعل في الكون، فقد كان حرق بوعزيزي لنفسه الشرارة التي إنطلقت منها الثورة في تونس، ثم أنتقل لهيبها بنفس السرعة لمصر واليمن والبحرين.
الحقيقة الثانية أن الولايات المتحدة واللوبيهات العالمية التي تريد أن تسير العالم كما تريد لم تقف متفرجة كما فعلنا، ولكنها منذ تفجر الأحداث في تونس أخذت تخطط وتدبر لحرف الثورات عن مسارها وتجييرها لخدمة مشروعها الكبير في الشرق الأوسط، من غير أن توقف الفعل، لأنها أدركت أن الإطاحة بهذه الأنظمة لابد حادث، أخذت تخطط لكي يكون مآل تلك الثورات في خدمة مشروعها الكبير في الشرق الأوسط، وهو حماية إسرائيل.
الحقية الثالثة أن الولايات المتحدة إعتبرت أن طريقة الثورات الشعبية يمكن إستخدامها لتغيير الأنظمة غير المرغوب فيها، فبعد أن كانت وسائلها محصورة في إستخدام العنف والقوة العسكرية والمقاطعة الإقتصادية والدبلوماسية لتغيير الأنظمة، أدخلت الثورات الشعبية في وسائلها لتحقيق ذلك. ولايساورني أدنى شك في إستخدامها لذلك في ليبيا، رغم إظهارها لمحدودية دروها. أما في سوريا فهي بلا شك تقف خلف ما يجري واضعة عدة شروط للأسد، إذا أوفى بها فسوف تتركه يستمر في الحكم، منها قطع علاقته مع إيران، وقطع مفاوضاته مع المقاومة الفلسطينية وخاصة حماس، وإنهاء علاقته مع حزب الله. ولم تعد الشروط سراً فقد أعلنتها وزيرة الخارجية الأمريكية على الملأ.
هذه المقدمة مهمة لفهم الدور القطري في أحداث الربيع العربي، وذلك لأن الكثيرين تناولوا هذا الدور بكثير من الريبة والشك، بعضهم بدافع الغيرة والبعض الآخر بدوافع الحسد، والبعض مرده للفهم القاصر ولمحدودية المعرفة والتفكير والمعلومات والمعطيات. والبعض يتهم قطر بالتآمر لتنفيذ الأجندة الأمريكية والصهيونية، والبعض يتهم قطر وأميرها بالسعي للفتنة بين الدول العربية، والبعض يتهمها بالعمل على مساعدة الولايات المتحدة والصهيونية في تحقيق نظرية الفوضى الخلاقة، وذلك بإذكاء نار الفتنة بين الشعوب العربية لإشعال الحرب الأهلية في الأقطار العربية. وبعضهم من يستخدم من العبارات والإتهامات ما يخرج عن الموضوعية، وربما يصل إلى مرحلة سوء الأدب، مستخدماً بعض الأحداث التاريخية في كيفية وصول الأمير لسدة الحكم. والبعض يتوعد الأمير ودولته بأن رياح الثورات سوف تطال الجميع ومنها قطر، واصفاً حاكم قطر بالاتوقراطية.
ليس دفاعاً عن أمير قطر حمد بن خليفة، ووزيرها الأول الشيخ حمد بن جاسم، ولا يعرفاني ولا أعرفهما، ولكني متابع للشأن السياسي والدولي والإقليمي. ومتابع كباحث سياسة الأمير والوزير في قطر في مستواها الداخلي والإقليمي والدولي. وكتبت مقالاً قبل هذا عندما فازت قطر بإستضافة مونديال 2022 تحت عنوان (تونتي تو كثيراً من السياسة قليلاً من الرياضة).
إهتمامي بالشأن القطري أن أميرها ووزيرها قدما نموذجاً للتعاطي السياسي الداخلي والإقليمي والدولي غير المألوف. وقدما تجربة تستحق الدراسة والتحليل والإحترام على الأقل (مني)، لأنه يعجبني (التميُّز)، وإحترام العقل والفكر والتخطيط والمنهجية في التعاطي مع الشان الداخلي والإقليمي والدولي، والذي وجدته في سياسة الأمير والوزير سواءاً أتفقت معهما أو اختلفت معهما.
فهي علي المستوى الداخلي تكفي شهادة من استمعت إليه من أبناء وطني ( بأنه لم يعرف حقوق الإنسان وكرامة الإنسان إلا في قطر). لا يهم شكل الدولة ولا شكل الحكم سواءاً ملكياً أو دستورياً أو برلمانياً أو إمارة، فكل أشكال الحكم هذه موجودة في العالم المتقدم. ولكن المهم هو العمل على رفاهية الشعب والعدالة واحترام حقوق الإنسان والمسأوة أمام القانون بين الصغير والكبير، وهذا ما شهد به لي إبن وطني الذي يعمل في الدوحة.
المدهش في سياسة الأمير والوزير أنهم استطاعوا أن يقيموا علاقات مع الأضداد من غير أن تكون العلاقة خصماً على طرف، كالعلاقة مع ايران وأمريكا، ومع حماس وإسرائيل ( لمزيد من التفصيل يمكن مراجعة مقالنا المشار إليه أعلاه).
الأمير والوزير استطاعا أن يدركا المتغيرات في التعامل الدولي في الممارسة والواقع بعيداً عن التنظير وما تملأ به صفحات الكتب. أدركا أن السيادة لم تعد تعني ما تملأ به صفحات كتب القانون الدولي. وأدركا أنه لم يعد هناك ما يعرف بالإختصاص الداخلي للدولة الذي يحرم على الآخرين التدخل فيه. وأدركا أن حقوق الإنسان لم تعد شأناً داخلياً، ولم تعد أية دولة حرة أن تفعل في مواطنيها ما تشاء، على الرغم من إدركهما أن كل ذلك تستخدمه الدول العظمى لخدمة أجندتها .
مع كل ذلك أدركا أن حجم الدول وقيمتها في المجتمع الدولي لم يعد يعني كبر المساحة وعدد السكان والتفوق العسكري. وإنما العامل الاقتصادي هو الفاعل الأول في تحديد قيمة الدولة، وكيفية استخدام هذا العامل في تعزيز المواقف الدبلوماسية والمساهمة به حل المشكلات الدولية.
وفوق كل ذلك أدركا أن تحقيق المصالح بين الدول لم يعد هو الذي يحدد العلائق بين الدول بصورة براجماتية، كما كان يعبر عنه (ليس هناك عدو ثابت ولا صديق ثابت إنما هناك مصالح ثابته)، إنما تحقق المصالح وفق المبادئ جنباً إلى جنب مع المصالح. وذلك ما عبر عنه الأمير في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة في الدورة (66) يوم 21/9/ 2011م حيث قال (إن نظام الأمم المتحدة لابد أن يتطور بما يتناسب مع أوضاع تأكدت فيها حقائق عالم جديد، لا تربطه المصالح وحدها، انما لابد فيه من توافق يؤكد وجود المبأدي الحاكمة للسلوك الحضاري مع وحدة المصالح جنباً إلى جنب.
قطر وأميرها ووزيرها تقيم علاقاتها على المكشوف وفق المصالح والمبأدي جنباً إلى جنب. ولا يهمها موقف الطرف الآخر طالما تعتبر هي مصالحها الداخلية والقومية والدولية وفق المبأدي ولا يهمها كثير موقف الطرف الآخر. وحتى في أحلك ساعات الغضب من الطرف الآخر فإن مبادئها ومصالحها تكون حاضرة.
ليس هناك مجال للتطرف والتهور عند قطر، وردة الفعل غير المحسوبة وإنما يكون الفعل جاهزاً الذي تنيره المبادئ والمصالح جنباً إلى جنب.
ولعل في العلاقات القطرية الإسرائيلية النموذج لذلك. قطر أقامت علاقتها مع إسرائيل وأقامت علاقتها مع حماس وأقامت علاقتها مع فتح. وكان موقفها واضحاً في ذلك. لم تمنعها علاقتها مع إسرائيل من إدانة حرب إسرائيل على غزة بل كانت قطر هي الداعية لمؤتمر القمة العربي لنصرة غزة والذي قاطعه بعض الذين تهاوت عروشهم أو الذين في طريقهم إلى ذلك. قطر كانت المبادر بترميم آثار العدوان على شعب غزة وتصرح علانية بعدم القبول بحصار غزة وفوق ذلك تستقبل بصورة مستمرة خالد مشعل المسئول السياسي في حماس.
عندما خرج الفلسطينيون بقضيتهم إلى الأمم المتحدة وقفت قطر بثقلها الذي إكتسبته في المجتمع الدولي عن جدارة، سواءاً كان ذلك عن طريق اللقاءات الثنائية أو مباشرةً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة داعمةً للموقف الفلسطيني وذلك على الرغم من رغاء أوباما وإذباده متوعداً بإستخدام الفيتو ضد القرار ورغم الدراما (البايخة) التي قدمها نتنياهو، فقد وقف الأمير لم ترهبه أمريكا ولا رئيسها ولم تستعطفه دراما نتنياهو ولا (هضربة) ساركوزي. ومع كل له مصالح ولكنها وفق المبادئ وما يعتقده هو. وهو يحترم ما يعتقدون ولكنه ليس ملزماً به. فقد قال في خطابه أمام الجمعية العامة إن القضية الأساسية في منطقة الشرق الأوسط هي القضية الفلسطينية وإستمرار الإحتلال الفلسطيني للأراضي العربية في الضفة الغربية وهضبة الجولان ومزارع شبعا وجنوب لبنان إلى جانب الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة وسيف الحرب المسلط عليها. فعلى مدى أربعة عقود أخفقت كل جهود السلام التي بذلت في التوصل إلى حل عادل يحقق السلام الشامل والدائم في المنطقة بسبب تمسك إسرائيل بمواقف متعنتة، ينبع من شعور القوي بأن قوته العسكرية تكفل له الأمن والأمان وبسبب إصرارها على إستغلال فترة المفاوضات لفرض الوقائع على الأرض بواسطة الإستيطان، وإزاء هذا الطريق المسدود الذي آلت إليه القضية الفلسطينية وإستمرار معاناة الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال وإنتهاك حقوقه الإنسانية والوطنية نناشد جميع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة أن يستمعوا لصوت الحق وأن يستجيبوا لطلب الفلسطينيين المشروع بدولة فلسطينية كاملة العضوية في المنظمة أسوة بغيرهم من شعوب العالم ليمهدوا بذلك لتحقيق السلام في منطقتنا. (الحديث الذي لم يقله ولن يستطيع أن يقوله محمود عباس). كانت التحية من معظم العضوية في الأمم المتحدة بالتصفيق الذي لم يحظ أوباما بنصفه.
وقال الشيخ حمد في حديث لاحق أنه (على إسرائيل أن تقرأ التغيرات التي حصلت في العالم العربي وان تعلم أن المشهد السياسي قد تغير فهي ديمقراطيات عربية ناشئة) وأكد أن قطر تدعم الشعب الفلسطيني في غزة وهذا لا يرضي إسرائيل مشدداً على أن حركة حماس (وصلت للسلطة عن طريق الإنتخابات في الضفة وغزة ولذلك فهي تعتبر حكومة شرعية ومن ثم حتى لو دعمنا حماس فنحن ندعم حكومة شرعية). ثم أضاف (أولاً على إسرائيل أن تقرأ التغيرات التي حدثت في العالم العربي حيث أنها لن تجد أصدقاء كما كانوا موجودين). وأضاف (نحن بالنسبة لنا نرأس لجنة مبادرة السلام العربية وفي نفس الوقت يرأس مندوبينا الدورة في الأمم المتحدة، الموضوع هو فلسطيني والفلسطينيون يطالبون بإقامة الدولة الفلسطينية والجامعة العربية رحبت بهذا). وأكد أن (قطر تلقت تلميحات ونصائح لتغير إتجاه الموضوع وإقناع الأطراف الأخرى لا سيما الفلسطينيين بعدم الذهاب إلى الجمعية العامة فكان جوابنا واضح أن هذا خيار الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية والجامعة العربية وافقت عليه، فلذلك ليس لدينا خيار آخر وبالعكس نحن ندعم هذا التوجه).
هذا الموقف هو الموقف القطري وفق المبادئ والمصالح، ولكن إسرائيل التي تفهم غير هذا وتريد أن تكون علاقتها مع قطر خصماً على الشعب الفلسطيني، وعندما إستبان موقف قطر كانت ردة الفعل الإسرائيلية. على الرغم من أن إسرائيل كانت تعلم بكل ما تقوم به قطر تجاه فلسطين، ولم تعمل ذلك قطر سراً ولكن تعمله على المكشوف بل تخطر إسرائيل بما تقوم به ووجهة نظرها في ذلك. ولكن إسرائيل لا تفهم ذلك وتعتقد أن قطر تقيم علاقاتها معها وفق المصالح فقط. لذلك بدأت الحملة ضد قطر والذي كشفته صحيفة معاريف الإسرائيلية حيث ذكرت أنه قد أُعدت سلسلة خطوات ضد دولة قطر بسبب ما أسمته نشاطها المكثف المعادي لها على عدة أصعدة عالمياً. وعددت الصحيفة تلك المواقف العدائية - أن قطر تقيم علاقات وطيدة مع حماس وتساعدها مادياً – وأنها تدعم مادياً الدعاوى القضائية المرفوعة ضد إسرائيل – ان قطر تتلاعب مع إسرائيل حيث خفضت التمثيل مع إسرائيل وسمحت بإبقاء موظفين محليين في مكتب التمثيل الدبلوماسي حتى يتسنى لها مواصلة العمل في قطاع غزة وإدخال الأموال – إن قطر الآن واحدة من الناشطين البارزين ضد إسرائيل على الساحة الدولية – إن قطر تستقبل الزيارات المتكررة لخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس – قطر تقوم بتمويل المشاريع في غزة ومساعدة الطلاب في (جمعية قطر الخيرية) – إن قطر تستضيف المؤتمرات التي تدعو لمحو إسرائيل.
نعم قطر تقوم بكل ذلك وفي العلن وبعلم الإسرائيليين وفي نفس الوقت تقيم علاقات مع إسرائيل ولكن ذلك وفق ما لا تفهمه إسرائيل (وفق المبادئ والمصالح جنباً إلى جنب).
وكانت القرارات الإسرائيلية التي أتخذت بإشراف وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان منها منع زيارة أية وفود قطرية إلى الأراضي الفلسطينية، وإغلاق الممثلية الدبلوماسية الإسرائيلية كلياً في الدوحة، ومنع دخول رسميين قطريين إلى إسرائيل والضفة الغربية، ويشتمل سحب ترخيص قناة الجزيرة في إسرائيل، ولعل ما حدث لمراسل الجزيرة سامي علاوي في هذا الإتجاه وحظر أي تعاون بين قطر وإسرائيل في الصناعات الدفاعية.
وكان الرد القطري على ردة الفعل الإسرائيلية بما يشبه قطر، وما يشبه ما يحدث الدهشة في مثل هذه المواقف، وما يشبه التوافق مع الموجه القطري في العلاقات الدولية (وفق المبادئ والمصالح جنباً إلى جنب) وما يشبه الأمير والوزير من أنه لا مجال لردود الأفعال إنما الحاكم العقل والتفكير والمبادئ والمصالح مع إستيعاب كل المتغيرات الدولية حيث قال الأمير في مقابلة لقناة الجزيرة (إن الإتصالات القطرية مع إسرائيل مستمرة، ولكن موقف الدوحة واضح بالنسبة لعملية السلام، وبالنسبة لدعم القضية الفلسطينية) وأضاف (إن إسرائيل تعتبر بلاده ليست دولة صديقة بل دولة عدوة). وأضاف (ولكن قطر ستستمر بالإتصال مع إسرائيل طالما كانت إسرائيل جادة في عملية السلام). وأضاف تمشياً مع اللعب على المكشوف (على شاشتكم الجزيرة تصورون إسرائيليين موجودين في الدوحة).
أما موقف الأمير والوزير من الثورات العربية فهو الذي كان الباعث لكتابة هذا المقال، حيث به تم إكمال واعتدال الصورة للموقف القطري المدهش، الامر الذي يوحي بأن الأمير والوزير لم يكونا مثل بقية الحكام العرب الذين يعيشون بين ظهرانينا اليوم، إنما أتيا من المستقبل، على شاكلة أفلام الخيال العالمي، وهما لم يكونا كذلك إنما شكلا حقيقة (الواقع المستقبلي). ولأنهما كانا متمردان لوجه الله. ولأنهما كانا يعيشان المستقبل بيننا فقد إنحازا منذ صافرة بداية الثورات إلى جانب الشعوب العربية.
لم يترك بوعزيزي والشعب التونسي والإنهيار السريع للدمية (بن علي) فرصة لاستبانة المواقف، سواءاً كان للغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة وإسرائيل الذين كانا يدعيان (معرفة الغيب) وبالتالي رجلا المستقبل بيننا الامير والوزير. ولكنهما أدركا أن ساعة التغيير قد حانت، ولذلك كان إنحيازهما للشعب والشارع المصري. ولأنهما كانا يدركان الواقع بشدة وما لديهما من ملكات التحليل الممتاز، لم يكن من الصعب عليهما التنبؤ بما يحدث، ولأنهما دائماً مع العقل والمنطق والواقع وما يفضيان إليه من نتائج، كان تصريح الوزير الأول القطري يوم 2/2/2011م في الكويت واصفاً الأوضاع التي تمر بها المنطقة بأنها (دقيقة) متوقعاً (تنتقل مظاهر هذه الأحداث إلى مناطق أخرى وبوتيرة أسرع مما نتصور) مضيفاً (أن من حق الشعوب أن تعبر عن آرائها ومن الواجب على القيادات أن تستمع إلى مطالب شعوبها). وقد كانت قناة الجزيرة القطرية حاضرة في أول مظاهرة وربما كانت أحد العوامل الرئيسية في نجاح الثورة المصرية.
وقد حاول الكثيرون من المؤمنين بنظرية المؤامرة من الحاقدين والحاسدين ان يصوروا الموقف القطري وفق ما يعتقدون ووفق ما ينسج لهم خيالهم، وكان أفضلهم تصوراً من يعتقد أن موقف قطر هو لإضعاف مصر وإحتلال مكانها في الريادة العربية. وما دروا أن قطر وأميرها يؤمنون أن مجال العلاقات الدولية ساحة للتنافس وهو يسع الجميع وأن الكل فيه فائز. وما دروا أن الأمير والوزير يعتقدان أن قوة مصر وقوة قطر هي إضافة حقيقية للأمة العربية ولخدمة القضية المحورية الفلسطينية، ويكفي أن المعبر الحقيقي للقضية العربية حينما توارى الآخرون كان امير قطر أمام الجمعية العامة في دورتها رقم (66)، شاملاً كل القضية في كل الأقطار العربية حيث قال (أن القضية الأساسية في منطقة الشرق الأوسط هي القضية الفلطسينية وإستمرار الإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في الضفة الغربية وهضبة الجولان ومزارع شبعة في جنوب لبنان وإلى جانب الحصار الخانق على قطاع غزة وسيف الحرب المسلط عليه).
أما في اليمن فقد كان التدخل القطري لإدراكه ما سوف تؤول إليه الأمور، وكان ذلك من خلال المبادرة الخليجية وذلك لحفظ ماء وجه الرئيس اليمني والحؤول دون أن تحيق مأساة بن علي وحسني مبارك وكانت المبادرة الخليجية تحتوي على بندين (أن يعلن الرئيس علي عبد الله صالح التنحي عن السلطة وتسليم صلاحياته إلى نائبه) والبند الثاني (تشكيل حكومة وحدة وطنية بقيادة المعارضة) وكانت القراءة القطرية للأحداث وتوقعاتها بما ستؤول إليه الأوضاع في اليمن، لذلك كانت المبادرة كإنقاذ مفترض لليمن وحمايته من السقوط في متاهة الحرب الأهلية التي تدرك مآلاتها قطر لإدراكها لطبيعة اليمن القبلية.
ولأن قطر تلعب على المكشوف، ففي يوم 7 أبريل 2011م كشف رئيس الوزراء القطري خلال مؤتمر صحفي عقد على هامش زيارته إلى واشنطن (أن دول الخليج تأمل في إبرام إتفاق مع الرئيس صالح كي يتنحى). أثارت تلك التصريحات حفيظة (البق جاويش) علي عبد الله صالح الذي لا يدرك أبعد من قدميه ولا يرى أبعد من أرنبة أنفه. وهاجم قطر مدعياً أنها تتدخل في الشؤون الداخلية لبلده، وهو لا يدري أن وهم الشؤون الداخلية أصبح في متحف التأريخ. ولما أحست قطر أن ذلك لم يكن إلا مماطلة من علي عبد الله صالح وإتخاذ ذلك ذريعة لعدم التوقيع، إنسحبت قطر من المبادرة الخليجية وانحازت إلى جانب الشعب اليمني. رحب علي عبد الله صالح بإنسحاب قطر، ولأنه لا يدرك أن ما يمكن أن تفعله قطر إذا انحازت إلى جانب الشعب اليمني، وهي قادرة على الفعل، وسوف تعمل ذلك على المكشوف وليس سراً. كما أنه لا يدرك أن دول مجلس التعاون الخليجي عاجزة عن الفعل تماماً في غياب (ميسي وكرستيانو إذ أردنا الأمتاع وإحراز الأهداف) وفي غياب (تشافي وإنيستا أردنا الإبداع والإمتاع) وفي غياب (مورينيو وجوارديولا إذ أردنا التخطيط والتكتيك).
انحازت قطر تماماً إلى جانب الشعب اليمني وكان الدعم السخي المالي للمعارضة وحركة الشعب اليمني السلمية في ميدان (التعمير) وأكملت قناة الجزيرة (الناقصة). الأمر الذي جعل الشاويش علي عبد الله صالح يستنجد بالأمير القطري شاكياً له قناة الجزيرة طالباً منه التدخل لدى القائمين على قناة الجزيرة للتهدئه الإعلامية والإبتعاد عن أساليب الإثارة والتأجيج. وكان الإستنجاد بعد أن (سبق السيف العزل). ولم يستبن الشاويش علي عبد الله صالح (النصح إلا ضحى الغد) ووجد نفسه محشوراً في زاوية ضيقة ينتظره مصير أسوأ من بن علي ومبارك هذا إذا كتبت له السلامة بعد محاولة إغتياله الأخيرة. والغريب في الأمر أن الشاويش علي صالح يتهم قطر بأنها تعمل على إزكاء الفتنة بين الشعب اليمني وإدخال قبائله في حرب أهلية، الأمر الذي كان الامير والوزير يعملان بنصح الشاويش علي عبد الله صالح تجنيب اليمن الحرب الأهلية، لأنهما يدركان طبيعة وتكوين الشعب اليمني. وهو الأمر الذي يعمل الشاويش بن علي إلى جر شباب الثورة إليه بفعله وسلوكه وحتى عودته من السعودية مرة أخرى إلى اليمن. ونأمل أن يعمل الأمير والوزير ومالهما من علاقة مع الشباب اليمني والشعب اليمني أن يجعلاهم يحافظوا على سلمية الثورة من جانبهما مما فعل مهما الشاويش علي عبد الله صالح.
أما في ليبيا فلم يمهل العقيد أحد، فقد فتح النيران يريد إبادة شعبه (الفئران) (بيت بيت، دار دار، زنقة زنقة) ولأن الأمير والوزير يعرفان حماقته وكبرياؤه الأجوف جيداً، فقد أدركا ما يمكن أن يحيق بالشعب الليبي، فلم يترددا بإنحيازهما إلى جانب الشعب الليبي وعلى المكشوف وفي العلن. وقد صمت الجميع حتى قادة الدولتين الثائرتين مصر وتونس، وذلك ببساطة لأن من تسلم سنام السلطة في الدولتين هم بقايا النظامين السابقين، ولم يستطع الشعبين التونسي والمصري فعل شئ لبعدهما عن مركز القرار.
وتوارت الجامعة العربية خجلاً أمام تصريحات أمينها السابق والذي هو أحد مهندس ما آلت إليه الأوضاع العربية. وحتى نحن في السودان اللذين تأذينا أكثر من غيرنا من نظام القذافي وربما أكثر من الشعب الليبي. ولكن مساعدتنا للثوار كانت سراً خوف من مقدرة العقيد على قمع شعبه، أو شكاً في مقدرة الثوار بالإطاحة بالعقيد. وهو موقف من الحكومة السودانية نحترمه ونقدره. ولكن كانت قراءة قطر للأحداث واضحة، فهي تعلم منذ تفجر ثورة تونس أن التغيير سوف يطال الجميع لا محالة وأن حماقات العقيد وتهوره وكبرياؤه الأجوف لن تسعفه طويلاً. فاختارت قطر وعلى المكشوف من العلن الانحياز إلى جانب الثوار ودعمهم بكل ما يحتاجون.
والغريب في الأمر أن البعض يتهم قطر كما يتهم الدول الغربية بالطمع في الأحوال الليبية وغاب عنهم أن قطر قد بسط الله لها في الرزق والمال، (وأن الأمير والوزير عينهم مليانة) والبعض يتهمها بأنهما ساعدا الدول الغربية وحلف الناتو، بأن جعلت الجامعة العربية تستخرج التصريح لحلف الناتو. وقد بذلت قطر (أميرها ووزيرها) جهداً كبيراً في أن يكون التدخل العسكري من الدول العربية ولكن خذلها الجميع وسعت إلى الدول الأفريقية وفشلت لأن العقيد قد ملأ جيوبهم وحلوقهم بالمال، وكغيرهم ما كانوا يتصورون ذهاب ملك ملوك أفريقيا. عندها ما كانت قطر لتتردد في مشاركة الدول الغربية في العمل العسكري ضد العقيد، لأنها تعلم أن الثوار والشعب الليبي هم الذين يقررون مصيرهم بعد سقوط الطاغية، وقطر وأميرها ووزيرها يعلمان تماماً أن الغرب كان هو السبب في طغيان قادته الأنظمة العربية، وقطر وأميرها ووزيرها يدركان أن لا الغرب ولا أمريكا ولا غيرها يستطيعون أن يفرضوا أو يركعوا الشعوب العربية مرة أخرى، فقد كسر الشعب العربي قيده، على الرغم من العمل المستميت الذي يقوم به الغرب لتجيير هده الثورات لصالحه.
أما سوريا فلم يختلف السيناريو فيها كثيراً عن سيناريو علي عبدالله صالح. وبما يربط بشار الأسد والأمير والوزير من علاقات، وما تقدره قطر من الموقف السوري الرافض للركوع للأمريكان وإسرائيل. فكان النصح للرئيس الأسد بالاستجابة إلى مطالب شعبه. صحيح أن سوريا ثورتها لم تكن خالصة من الشعب السوري وحده. كما ذكرنا في مقدمة هذا المقال أن القوى الغربية وعلى رأسها أمريكا قد اعتمدت الثورات الشعبية كطريقة لتغيير الأنظمة التي لا ترضى عنها، وهي تقوم بذلك في سوريا. ولكن الحقيقة الأخرى أن الشعب السوري قد ثار ضد تغييبه لنصف قرن من الزمان تحت قهر وانفراد حزب البعث. فكان لا بد من التصرف والموازنة بالاستجابة لإرادة التغيير التي سوف تطال كل الشعوب العربية وبين الاستخدام الأمريكي وإسرائيل باستخدام الشعب السوري في تغيير نظام غير مرضي عنه. وهذا ما حاول الأمير والوزير القطريان أن يصلا اليه بموازنة في ذلك بما يحقق إرادة الشعب السوري في التغيير وبما يبطل فعل التدخل الأمريكي والصهيوني. ولما يئسا من الوصول إلى ذلك مع بشار الأسد اختارا الانحياز إلى جانب الشعب السوري. وقد لخص الأمير ذلك في طهران حيث قال "لقد حاولنا جميعاً نحن الذين وقفنا مع سوريا في ظروفها العصيبة، أن نشجع الأخوة في سوريا على اتخاذ خطوات إصلاحية حقيقية، وقد خرج الشعب السوري في إنتفاضة شعبية مدنية، حقيقية مطالبة بالتغيير والعدالة والحرية، ويعرف الجميع أن الحل الأمني أثبت فشله ولا يبدو أن الشعب السوري سوف يتراجع عن مطالبه بعدما دفعه من ثمن معبراً عن أمله في أن يستنتج صناع القرار في سوريا ضرورة التغيير بما يتلاءم مع تطلعات الشعب السوري وعلينا أن نساعدهم على اتخاذ مثل هذا القرار". ولكن كما يقول المثل السوداني (المكتولة ما تسمع الصايحة). وبنفس طريقة الشاويش علي عبدالله صالح أصبحت الاتهامات تكال ضد قطر وأنها تعمل على خلق الفوض في سوريا وأنها تعمل على أزكاء الحرب الأهلية في سوريا. وأن قناة الجزيرة ضالعة في التخطيط والتدبير. لا ندافع عن الجزيرة وهي ليست معصومة من الأخطاء المقصودة وغير المقصودة، ولا ننزه محرريها. ولكن مما لا شك فيه أن الجزيرة انحازت تماماً للشعوب العربية في ثوراتها تماماً كقطر وأميرها ووزيرها. ورجاءنا من الأمير والوزير، على الرغم من تعقيد الوضع السوري، أن يبذلا ما يمكن بذله، فسوريا مكانها في القلب، وفي تاريخ المقاومة ومن تاريخ جبهة الممانعة، وللرئيس الأسد بعض دين علينا إيفاءه.
نخلص مما سبق ذكره تحليلاً وقراءة، وليس تبريراً، ولكن قراءة متابع لموقف تاريخي ووقفة الأمير والوزير انحيازاً للشعوب، وإدراكاً للمخاض الذي تعيشه الأمة العربية، وأنها جدلت عقد القيد الاستعماري الأمريكي الصهيوني، وأنهما يسعيان لمساعدة الأمة هذه بالعبور سحراً في فجر الأمة الذي بان، وتحقيقاً لأمل طال انتظاره، ومولود جديد أتى عبر مخاض عسير. فلنوطن أنفسنا بالنظر إلى نصف الكوب المليء، أن نخرج من دائرة نظرية المؤامرة التي حشرنا فيها أعداءنا، وأن نبتعد من دائرة السباب والشتائم والتجريم والأحكام المسبقه. الدهشة والإبداع والإمتاع والتخطيط والتكتيك ظاهرة في عزف الرجلين الذين أتيا من المستقبل ليشهدا معنا ميلاد الأمة الجديد ويقودانه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.