بالنسبة للبعض يبدو لي إنهم سمعوا بشأن الأنباء التي ظلت ترد على لسان المخبرين ووسائل الإعلام المختلفة حول الوضع الراهن في أعالي النيل، وما يدور فيه من أحداث متعددة ومتنوعة خيمت ثقيلاً على كاهل هذه الولاية المغلوبة على أمرها، كالفساد المالي والإداري وسوء استخدام السلطة، ومحاولة إيقاع الفتن وسط القبائل التي تقطنها، وكل هذا يحدث بفعل السلطات الحاكمة وغيرها من القيادات السياسية من أبناء الولاية، الذين ما فتئوا ينفخون على فقاعة الأوضاع المحتقنة لتأجيج النيران، لتلظي المواطن الأعزل الذي جاء سلام الحركة الشعبية وجيشها خصماً على أمنه واستقراره وحدته. مقارنة بفترات ما قبل نيفاشا، حيث تضاعف عدد القتلى المدنيين في كل بقاع الجنوب على يد جنود الجيش الشعبي تارة، وإحتراب الأهالي تارة أخرى، لعدم مقدرة الحكومة على فرض النظام وازدواجية المعايير في التعاطي مع هذه المسائل.. بدليل تقرير سابق تقدم به مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. والذي أود أن أطلع عليه القارئ هو حقيقة ما يجري هذه الأيام في أروقة تلك الولاية من أحداث مأساوية تسبب فيها جيش الحركة الشعبية المتواجد على طول الضفة الغربية للنيل في منطقة أعالي النيل، وهي المنطقة المسماة ب(بر الشلك)، حيث قامت هذه القوات بشن هجوم عسكري ضد قوة عسكرية أخرى بالمنطقة أغلبهم من أبناء الشلك متواجدين في تلك المنطقة، بغرض التنظيم العسكري للإنضمام للجيش الشعبي، وخلف هذا الهجوم الجائر خسائر في الأرواح بين الطرفين، علاوة على ما لحق بالمواطنين من مآس وأضرار تكبدوها جراء تجاسر الجيش الشعبي على إعدام من وقع في قبضتهم، حيث قاموا بإيقاع مجزرة وحمام دم ضد السكان المحليين من المدنيين راح ضحيتها العشرات على رأسهم خمسة من الشباب في مقتبل العمر اثنان منهم أشقاء من خريجي الجامعات، تم إعدامهم رمياً بالرصاص، وهؤلاء الضحايا لم يكونوا من المقاتلين ولا في حوزتهم أسلحة نارية أو بيضاء، بل كانوا في زيارة عمل لأحدى القرى المجاورة للمكان الذي جرت فيه الأحداث، إذاً أين حقوق المدنيين في الحماية من القتل أثناء الحروب والحركة الشعبية دابت على تتمشدق بحقوق الإنسان وتتبجح على أنها خاضت حربها ضد الحكومة السودانية بدرجة عالية من الأخلاق، وإنها لم تقتل أسراها قط طيلة فترة الحرب ولم تعاملهم بسوء، واليوم وأدوا أبناءهم ورموا بهم بالرصاص، لا لجرم ارتكبوه بل لأنهم من أبناء قبيلة الشلك المظلومة والتي يناصبها الجيش الشعبي العداء على خلفية الصراعات القبلية التي ظلت تغذيها الطموحات المريضة لقيادات الحركة الشعبية من أبناء دينكا «بدانق» الذين ينادون بطرد الشلك بالضفة الشرقية للنيل والضفتين الشمالية والجنوبية من نهر السوبا، وهي دعوة عنصرية سخيفة رمى بها هؤلاء بين الشلك والدينكا بالمنطقة، فالدماء تصرخ إلى الله «يا كمريت». ولكون أغلب عناصر الجيش الشعبي في أعالي النيل من أبناء قبيلة الدينكا ومهمتهم مراقبة حركة أبناء قبيلة الشلك، ومنعهم من التسلح وكسر شوكتهم حتى لا ينهضوا للدفاع عن أرواحهم وأرضهم التي اغتصبها منهم الدينكا. لذلك رأيت في هذا المقال أن أضع أمام القارئ حقيقة نشأة هذه القوات التي يحاربها الجيش الشعبي الآن في أعالي النيل، المعروفة بقوات المتمرد المدعو «أولنج طوب داك ادور» في محاولة لكشف هويتهم، لعل يحسبهم الجاهل لأي من الشخصيات أو جهاتٍ بعينها على غِرار إتهامات الحركة للمؤتمر الوطني وآخرين، وكذلك لنتبين دواعي تمرده وحمله السلاح ضد حكومة الجنوب، وهو نفس الشخص الذي اتهمه الناطق الرسمي باسم الجيش الشعبي في بيانه الذي أدان فيه الأحداث بأنه يحارب بالوكالة عن المؤتمر الوطني وله دعوى عنصرية ..... الخ وما حقيقة ذلك؟ إضافة إلى تهم أخرى وصفه فيها بالقاتل والهارب من العدالة، ولي رسالة لناطق الجيش الشعبي أن باستطاعتك القول طالما تمتلك ناصية الإعلام لكن العقل يميز.. وفي حقيقة الأمر هذه القوات ليست من صنع الجهات المتهمة من قبل الحركة، لا شك أنها من نتاج إفرازات الجهوية والعنصرية والقبلية التي تمارسها الحركة الشعبية في جنوب السودان. المدعو أولنج هذا عرف عنه جندي سابق في الجيش الشعبي لتحرير السودان، حيث انضم إليها في ثمانينات القرن الماضي وكان يافعاً شب على حماسة عارمة أدت به إلى الإلتحاق في صفوف قوات التمرد بقيادة جون قرنق، وتدرج في الرتب العسكرية، وترقى حتى رتبة النقيب ضمن مجموعة الحرس الخاص بالقائد وليم نيون، وظل ملازماً لقائده حتى لقي مصرعه على يد رياك مشار بعد إنشقاق الناصر ببضعة أعوام، حينها بقي الشاب أولنج مناضلاً للبقاء في أحراش غابات الجنوب، عندها تسلل إلى داخل الخرطوم في العام سبعة وتسعين تسعمائة وألف، وعاد مجدداً إلى الجنوب واستقر به الحال في منطقة القنال (بيجي) جنوبملكال، حيث عمل بالتجارة ونمت أعماله التجارية، وأصبح يمتلك العديد من المحال، ولم يدر حينها أن يد القدر تخفي له أياماً عجاف ومصائب جمة. رابطة خريجي «شلو»