ثورة الشباب العربي تعم بلاد الساحل مصر، ليبيا، تونس، وحراك في الجزائر والمغرب وسوريا واليمن والبحرين، وجميع هذه الدول تقع على السواحل، نجحت الثورات في بلاد عانى شعوبها الكبت والقهر والإرهاب لسنوات طويلة.. وكان لا بد أن تنفجر كوامن تلك الشعوب وتطيح بأولئك الذين جثموا على صدورهم لسنوات دون حريات ودون تداول للسلطة.. بل أن التوريث كان الأقرب إلى التحقق من التداول السلمي، كل الدساتير كانت تتعدل لتمدد بقاء السلطان لدورات ودورات حتى ولو لم تكن للحكام قناعات كاملة بضرورة تعديل الدساتير وتمديد فترات الحكم.. لما يزيد عن المرات الأربعة.. وكان ذلك الفعل يجد السند والعضد من قبل الدول الغربية التي تضغط على بعض الأنظمة بشعاراتها المنادية للديمقراطية والشفافية والتداول السلمي للسلطة، كما يجري عندها وتغض الطرف عن دول لديها معها مصالح مادية على حساب شعوب تلك الدول، فتسكت عن التجاوزات الدستورية والتوريث ونهب موارد البلاد عن طريق المحاسيب والأقرباء وأصحاب المصالح.. حتى صار لدينا في العالم العربي الحديث عن الديمقراطية والشفافية والتداول السلمي للسلطة حراماً يجب معاقبة من يردده.. وكان الأمر بين الزلزال والتسونامي الذي اهتزت به الأرض العربية من أدناها إلى أقصاها.. فسقطت الإمبراطوريات واهتزت عروش الأباطرة وهزت هتافات الشباب المكبوت عروش الفراعنة والبطالمة.. فتهاوت العروش واهتزت بعضها.. فأعلنت الإصلاحات السياسية وبرامج الدعم وتحديد سنوات الحكم ودوراته. هل الأمر في السودان مثله في مصر وليبيا وتونس والبحرين واليمن؟.. هل هناك أي قدر من وجه الشبه بين أحوال السياسة والحريات والتكوينات الحزبية والتعبير وحق الانتخاب.. هل هناك أي قدر من الاحتقان السياسي الذي يدفع بالشباب لكي يعلنها ويخرج بصدر عار لمواجهة حراس الأمن..؟ هذه أسئلة مشروعة من حق أي إنسان أن يطرحها، وعليه أيضاً أن يجد إجابات صريحة عليها فقبل أقل من عام جرت انتخابات عامة على جميع مستويات الحكم لم ترق فيها قطرة دم واحدة.. انتخابات من نوع جديد، حيث يصوت المواطن في مرة واحدة لثمانية من المرشحين للرئاسة والبرلمان القومي، وعلى مستويات الحكم المحلي والولائي وجنوب السودان بمستوياته.. وهذا يحدث لأول مرة بالرغم من عمق تجربتنا في الانتخابات على مر تاريخ السودان الحديث، ومرت التجربة بسلام.. وخابت توقعات أولئك الذين سعوا حثيثاً لكي تحدث فوضى وقتال ومعارك، حتى في المناطق التي عرفت بأنها مناطق نزاعات.. المراقبون جميعاً ذهلوا لخلو الانتخابات من العنف الذي ظلت تشهده بلاد في المنطقة العربية، وبلاد لا تعرف الانتخابات أصلاً.. والمعايير التي قيست بها الانتخابات كادت تبلغ المعيار الدولي( أي معيار الدول الأوروبية والأمريكية) برغم الفارق الكبير في درجات الوعي ومقادير الاستقرار، ثم جاء الاستفتاء لجنوب السودان، ومر الأمر كذلك في سهولة ويسر.. ونال الجنوب مستحقاته السياسية وقال الجنوبيون - إن حقيقة أم مجازاً- حقهم في تقرير المصير.. ولم تذرف دمعة على جزء من أرض السودان انقطع، ونفر من أهل الجنوب أعزاء علينا صار بيننا وبينهم حاجز وحدود وقوانين ودساتير، لا تمكن أحدنا مواصلة الآخر إلا وفق اجراءات.. ورغم ذلك تمت العملية بسلام.. إذن ليس هناك احتقان سياسي أو أثني أو جهوي يجعل الأمر إن يتحول إلى لهب ونار.. ليس هناك ما يدفع الناس للتنفيس بالتظاهر والهتاف، الغلاء أمر عالمي تعاني منه الشعوب ابتداء من أمريكا وانتهاء بساحل العاج.. الديمقراطية موجودة.. إرادة التحاور والوصول إلى قواسم مشتركة متوفرة.. ليس هناك احتكار للسلطة.. إذا قرأنا الأمور بالصورة الصحيحة، الانتخابات هي الفيصل.. رغبة الجماهير هي التي تمضي وليس أماني عواجيز السياسة الذين أوتوا الفرص عدة مرات فاخضعوا وانهاروا من تلقاء أنفسهم.. الذي يرفض الحوار ويريد فرض أجندته بالقوة هو الخاسر في نهاية الأمر.. الثورة ثورة شباب وعلى العواجيز أن يذهبوا للراحة والعبادة.. يكفي ما نال السودان منهم أفسحوا الطريق لقوى الشباب سواء في الحزب الحاكم أو لدى الذين يتنازعونهم بلا سند من قانون أو دستور، أو حتى موضوع الحزب الذي يتداول السلطة بين أعضائه هو الذي سوف يكسب الرهان، ولذا فإن وجود الديمقراطية والحرية، والعدالة والشفافية داخل الأحزاب السياسية هو الدواء الشافي الذي لا يحوج الشباب للخروج ومواجهة الرصاص بالصدور العارية.. لا نريد للرئيس البشير أن يعلن أنه لن يترشح لولاية أخرى، فقد أعلنها قبل عامين أمام شورى الحزب وطالب الأعضاء بضرورة نقل السلطات للشباب، وهذه شهادة مني سمعتها من فمه وأقولها الآن.. شباب الحزب عليه الاستعداد والمثابرة لانتقال الأمر إليه.. الحوار الداخلي لا بد منه.. كسر احتكار السلطة لأفراد قلائل لا بد منه، الموقع الواحد للرجل الواحد هو الوضع الأمثل للمراقبة والمحاسبة والإصلاح، وتحقيق الشفافية ومحاربة الفساد، رجال القرن الماضي جزاكم الله خيراً.. اذهبوا لبيوتكم وسلموا مفاتيح السياسة والسيادة والتنفيذ للأجيال الجديدة.. فهي الأكثر قدرة والأكبر طاقة.. ومعرفة.. يجب على ساستنا في الحكم والمعارضة أن يضعوا السلاح.. أرضاً.. وليسلموا بالواقع الجديد الذي يدوي في أنحاء العالم.. حواء والدة وتلد كل يوم.. ومن الأفضل الاعتزال قبل العزل والتسليم قبل الاستسلام.. ونظرة واحدة وقراءة أولى في خارطة إعمار الساسة تكفي للحكم.. كلهم بلغوا الثمانين ولا يريدون التسليم. لم تكن الجامعة العربية على درجة من الحس السياسي عندما قررت طلب فرض الحظر الجوي على ليبيا، وطلبت من مجلس الأمن أن يعمل على اعتماد قراراها.. لأننا ندرك تماماً خطورة مثل هذا القرار لدول تخطط وتتحرك لصالح نفسها في المقام الأول.. ففرنسا تريد أن تحتل ليبيا وتستولى على نفطها، وليس الدفاع عن الثوار وحماية المدنيين فقد بدأ التدخل في ليبيا من أوسع الأبواب وتحت غطاء من الشرعية.. فرنسا التي حرمت من فوائد ما بعد حرب الفراق حيث استأثرت أمريكا وبريطانيا بنفط العراق.. وقد جاء دور فرنسا هذه المرة.. اليوم يستشهد الثوار تحت القصف الجوي العشوائي الذي لا يميز بين قوات الثوار وكتائب القذافي.. لماذا لم يبادر العرب بالتدخل لمنع القذافي من قتل الثوار؟ لماذا لم يكن هذا الخيار وارداً وما فائدة الجامعة العربية!؟.. هذا خطأ عظيم للمرة الثانية يقع فيه العرب بمنح الاستعمار( كارت بلانش) لكي يغزو دولة عربية ذات سيادة ملتمساً الأسباب والمعاذير لكي يعود لاستنزاف ثروات الشعوب العربية.. وتنتهز اسرائيل الفرصة هذه وتعمل على إبادة الشعب الفلسطيني ولن يشغل المستعمرون أنفسهم بما يجري في فلسطين، وكأنما الأمور كلها مرتبة في سيناريو يهزم الأمة ويكسر إرادتها.. وأنا متأكد ومتيقن بأن الذين سوف يقتلون من الثوار بأسباب القصف الجوي من قوات الناتو سيزيدون عن أولئك الذين يموتون بسلاح كتائب وقوات القذافي وأبنائه ومرتزقته.. فمتى يتعلم العرب من أخطائهم.. ومتى نقطف ثمار هذه الجامعة التي تفرق ولا تجمع.. ومتى نبلغ مستوى التفكير والتدبير الغربي ضدنا؟!.. أنا لست مع الحكومات الدكتاتورية، ولكنها أفضل من المستعمرين الجدد.. أنظروا للعراق وشعب العراق وثروات العراق، وانتظروا ما سيتحقق بليبيا وشعب ليبيا وثروات ليبيا.