مثلما كان شعب بلادنا رائداً وقائداً للشعوب في تغيير الديكتاتوريات بالثورات الشعبية والانتفاضات والهبات.. كان رئيسنا مبادراً وقدوة للرؤساء الذين ينزلون عند مطالب الجماهير.. فقد قال الرئيس وكرر وأعاد وأكد في غير مرة رغبته في إجراء التغيير، وقيادة الاصلاح، ومحاربة الفساد، والتداول السلمي للسلطة، وهو لا يلقي القول على عواهنه، وإنما يقصد ما يقول ويعنيه.. والرئيس البشير عندما يبلغ درجة الاطمئنان على أي قرار فإنه يصدره بلا تردد.. وأي قرار يحتمل الخطأ والصواب كفعل البشر وحالهم، صبغة الله الذي خلق الإنسان من طين ومن ماء مهين، ونفخ فيه من روحه، فكل ما وقع من بشر من تدن وتسفُّل فراجع إلى أصل الطين، وكل ما جاء بالخير والرفعة والتسامي فذلك من روح الله (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون). وإن تعجب فعجب (طبيعة السودانيين الذين يرفعون شعار يا فيها يانطفيها) أو كقول الصادق المهدي (دي طبلة يا نفتحها يانفلسها)، وهو يعلم قبل غيره أن (طبلة) سياسته (مفلسة)، وأن كلامه خارم بارم.. حزب الأمة شعاره الصحوة الإسلامية فإذا ما جاءت الإنقاذ بالنهج الإسلامي تحولت صحوته إلى (غفلة)، والاتحادي الديمقراطي برنامجه الجمهورية الإسلامية.. وعندما استلم الإسلاميون السلطة رفع شعار سلم تسلم، وكأن من في السلطة لا يرجون إلا (السلامة) لأنفسهم!! والإنقاذ والمؤتمر الوطني ينادون بالتغيير، فإذا جاءت كلمة التغيير على لسان غيرهم سلقوه بألسنة حداد.. وفعلوا كل شيء إلا التغيير!! وإرادة التغيير لا تعوزهم ولا أدواته.. لكنها المعاكسة.. بالمفهوم الدارجي للمفردة!! تحدث الرئيس الشاب بشار الأسد أمام البرلمان (بالأمس) طويلاً ولم يقل شيئاً.. إلا أنه قال كلمة واحدة في ما معناها.. إن الجمود قاتل مميت، لذا فالتغيير واجب والاصلاح مهم.. أو كما قال.. لكن الشارع المحتقن (ماعنده صبراً يبل الأبري) والناس إذا ما خرجت إلى الشارع فإنها ترفع سقف مطالبها، كلما قدم الحاكم تنازلات فلا يرضون بغير إزاحته وإقالة حكومته، وتسريح جهاز أمنه، وحل حزبه.. وهذا بالضبط ما حدث في تونس ومصر وما سيحدث في ليبيا واليمن باعتبار ما سيكون. حكومتنا تعلم ذلك كل العلم ومقتنعة غاية الاقتناع بضرورة التغيير وأهمية دور الشباب في المرحلة المقبلة، لكنها تصاب (بالارتكاريا) إذا ما تحدث أحد المعارضين عن التغيير، ولا أعرف سبباً لانزعاجها اللهم إلا من قبيل (بيدي لا بيد عمرو)، والشعب السوداني الذي استظل بشجرة المؤتمر الوطني وساند برنامجه الانتخابي، يتفهم الظروف المحيطة ببلادنا وآثار الأزمة الاقتصادية العالمية عليها.. ونتيجة الاستفتاء الذي أفضى إلى الانفصال، وما يتبع ذلك من أعباء وانتقاص للأرض، والدخل القومي، لكن هناك من الإجراءات الكثيرة والكفيلة بتلبية احتياجات الناس والاستجابة لبعض مطالبهم ريثما تكتمل الصورة وينصلح الحال ومثال ذلك. تقليص أعداد الدستوريين وتخفيض مخصصاتهم.. وتخفيض الانفاق العام للحد الأدنى في جوانبه كافة.. توفير فرص العمل للعاطلين في القطاعين العام والخاص.. فتح الأبواب للمستثمرين وإعادة النظر في السياسة المصرفية، والتي تشكل عقبة كؤود في سبيلهم.. تفعيل البرامج الكبرى كالنهضة الزراعية التي لم تزرع شيئاً يذكر.. وبرنامج السكن الملائم لكل مواطن.. توفير الخدمات الأساسية من الصحة والتعليم، ومياه الشرب النقية على نطاق الأرياف.. إلغاء أو تعديل كل القوانين التي تقف حجر عثرة في طريق الاجماع الوطني.. فقد رأينا إن القوانين القمعية والأجهزة الأمنية والدولة البوليسية، والحزب الحاكم مع وجود أحزاب (فكة) لم تسعف حكام مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا، فلا مكان للاعتداد بجماهيرية أي حزب في أي دولة.. فالحزب الحاكم في مصر والذي يزعم إن عضويته بالملايين لم يجد عند (الحارة) إلا عربجية الهرم بخيلهم وجمالهم وبغالهم وحميرهم.. وحميرهم لفض الاعتصام بميدان التحرير!! ولم يجد بن علي الذي هرب من يهتف بحياته أو يدافع عن سياساته!! والمؤتمر الوطني الذي حصد أصواتاً أكثر من عضويته المسجلة يعلم تمام العلم بأن قاعدته تعاني من شظف العيش والعطالة والبطالة.. لكن الجوع وحده لا يؤسس لثورة، فالكرامة الإنسانية وحدها هي المحك.. ولا أحسب بأن حزبنا يسعى لاهدار كرامة أحد.. وحسناً فعل السيد النائب علي عثمان بإعلان الحرب على الفساد، وهو بكل تأكيد قول سيتبعه عمل بإذن الله. وفي ماعدا ذلك ستكون سياستنا مثل سياسة عبد الجليل ود الحسين ود أباعاج مع ولده طلال.. الذي أتعبه في المدرسة بكثرة ما يقال له (جيب ولي أمرك)، فذهب معه للمرة الألف للمدرسة وسمع شكوى الناظر من ولده طلال.. فالتفت ود أب عاج لابنه.. (والله تاني المدرسين يشتكوا منك إلا أشغلك شغلة لا إنت تستفيد منها ولا أنا أستفيد ) استفسر الناظر عن (هذه الشغلة) فقال ود أب عاج (أشغلوا يحش الحلفا ويرميه في البحر) والعهدة على الراوي صديق حسن صديق. وهذا هو المفروض