عندما جلس وزير المالية على كرسيه بالقاعة الأنيقة ابتسم في وجه الحاضرين، ومنهم الأستاذ الجامعي، والسياسي المرموق، والقاضي الواقف، والقاضي الجالس، والطبيب والجنرال المتقاعد، وبسخرية لاذعة قال علي محمود (أنا شايف عمم كثيرة في وزارة المالية، قلت ياجماعة في شنو، قالوا ناس كردفان عندهم توقيع لعقد طريق أم درمان بارا، وحضرت لنشهد معكم الاحتفالية). سألت الأخ الأستاذ الصادق الرزيقي لقربه من الوزير علي محمود حينذاك، هل الوزير يداعب أم يسخر من هؤلاء الرجال، فقال الصادق نصف الحاضرين في القاعة من رفقاء درب الوزير، كالأستاذ سالم الصافي جحير، وبعضهم من شيوخه مثل د. التاج فضل الله والدرديري عمر المنصور وبعضهم من رحمه مثل الأستاذ معتصم ميرغني، حسين زاكي الدين، انصرفنا من وزارة المالية ذلك النهار ود. أزهري التجاني (غياباً)، وعبد الواحد يوسف بعيداً، ومولانا أحمد إبراهيم في البرلمان يدير شأن السودان (قانوناً ورقابة وتشريعاً)، وما كنا ندري خديعة وزارة المالية لرجال مثل أولئك الذين فرحوا وصفقوا وكبروا ثلاث مرات، وطريق (أم درمان بارا) يتم توقيع عقده النهائي، ووزير المالية يتعهد ويقول مقدم العقد في حقيبتي!!. حتى لحظة كتابة هذه السطور لم نرَ في الواقع حتى معسكراً للشركة التي ستنفذ طريق بارا أم درمان في منطقة فتاشة أم الصويقع، ووزارة الطرق والجسور لا تعلم حتى الآن شيئاً عن طريق بارا أم درمان.. وأخيراً تصدى مهدي عبد الرحمن نائب دائرة بارا لكسر جدار الصمت، وتقدم بسؤال لوزير المالية عن الطريق الذي ضل الطريق، وعن التوقيع الخادع الذي شهدت عليه النخب والقيادات، ولكنهم أصبحوا شهوداً على طريق على الورق، وحتى المهندس خالد عبد الله معروف مات حماسه، وبات لا يسأل عن طريق بارا الأبيض الذي نخشى عليه من لعنة طريق الإنقاذ الغربي، الذي وقف في النهود ومازاد كيلو متر واحد، ووقف في الفاشر حتى ضاق صدر السلطان عثمان كبر، ونفث دخاناً كثيفاً من صدره المثخن بجراحات القابضين على المال. طريق أم درمان بارا كان من بين المشروعات الواردة في كتاب المؤتمر الوطني الانتخابي، وصوت سكان دار الريح من أجل جرعة الماء وطريق بارا أم درمان وإعادة إعمار الصحراء الجدباء التي تحاصر قرى شمال كردفان.. وقبل انقضاء العام الأول نسأل السادة النواب هل تستطيعون مساعدة النائب مهدي عبد الرحمن بأسئلة أخرى لوزير المالية، أم أن الوزير نفسه لن يمثل أمام البرلمان، لأن قضية طريق بارا أم درمان لا تستحق أن يجيب عليها وزير المالية، ويمكن للنائب مهدي عبد الرحمن الحصول على إجابة مكتوبة بطرف السيد آدم مفضل مساعد وزير المالية. قصة طريق بارا أم درمان موجعة جداً، وكل الطرق في السودان تنمو وتزدهر، إلا طريق بارا يتيم بلا أب، فهل يصبح النواب الذين انتخبهم الشعب آباء شركاء من أجل هذا الطريق، أم تحت الرمال أشياء لن نسأل عنها حتى لا يسوءنا السؤال.