كثيراً ما نسمع أن بعض القبائل تتسم بالبخل وأنهم «جبارين» ويحبون المال، ولكن لم أرَ أحداً يحب المال ويعشقه مثل الرجل بطل هذه القصة الذي نشأ وعاش وترعرع في ولاية الجزيرة، قبل أن يتحول منها إلى بعض الولايات الأخرى في مطلع ستينيات القرن الماضي.. إنه «ج ،س ،ج» رجل يحفظ القرآن عن ظهر قلب وعلى الرغم من امتلاكه لملايين الجنيهات فهو يمتطي حماراً، ومظهره العام لا يدل أبداً على أنه صاحب جاه، بل إنك تعتقد أنه لا يملك قوت يومه.. هذا الرجل عاد إلى ولاية الجزيرة مجدداً بعد أن تجول في مدن عديدة بحكم مهنته «الحلاقة». التي جعلته من أثرى الأثرياء من خلال تجواله وإقامته بمنطقته بالرغم من ضعف إيرادها، ولكنه لا ينفق على نفسه أي شيء وإنما يقوم بكنز كل ما يجمعه من مال، ولم يتزوج حتى الآن تجاوز عمره ال«65»، وأشيع أخيراً أنه متزوج «سراً»... هذا الرجل أصبح موضع اهتمام الكثير من الناس، ووضح ذلك حينما تم تغيير العملة من الجنيه إلى الدينار في مطلع التسعينيات، حيث كان يحمل معه ثلاثة جوالات مليئة بالنقود، الأمر الذي استوقف موظف البنك واستدعى رجل الشرطة بحجة أن بالبنك «حرامي» ومعه مبالغ ضخمة من النقود، قبل أن يأتي أحد معارفه ويؤكد لإدارة البنك أن هذا المال هو ملك حر لهذا الشخص ومنذ ذلك اليوم أصبح صاحبنا أكبر عملاء البنك... التقيته في إحدى المناسبات التي لم تشغله عن عمله ولم تغير من مظهره، وأدرت معه دردشة بغرض أن أقطع معه موعداً لإجراء حوار، ورغم أنني عرضت عليه مبلغ «100» جنيه لكنه أصر على الرفض.. فقاطعته بسؤال: ما هو حجم ثروتك؟ فأدار عني وجهه وقال: «ما عارفها كم لكن كثيرة»، وقمت بسؤاله مرة أخرى: «تصدقت بها»؟ فأجابني: (شوف يا زول أنا غير حق الله المشروع «الزكاة» ما بدي أي زول حاجة، وعمري ما تصدقت بحاجة، وأنا أكثر إنسان جبار على وجه الأرض)...! وما هو مصير ثروتك وأنت لم تتزوج حتى الآن؟. قال إنه سيكتب وصية أن ثلثي هذه الثروة تذهب إلى الأوقاف وما تبقى يذهب لأخواته. قلت له: هل لديك نشاط آخر غير عملك هذا؟ أجابني: «شوف يا أخونا أي حاجة ما مضمونة وما فيها قروش أنا ما بدخل فيها..» وأخيراً آثرنا أن لا نتدخل أكثر في شؤونه.. وغادرنا ونحن نضرب كفاً بكف دهشة وتعجباً.