في مقابر أحمد شرفي بأم درمان عشنا أمس اللحظات الحزينة لمواراة جثمان المذيع الشاب عز الدين خضر الثرى، والذي دفن بجوار المذيع أحمد سليمان ضو البيت وقرب الطيب محمد الطيب وليس بعيداً عن الفنان خليل إسماعيل، والذي أصر عقب مواراة الجثمان الثرى العشرات من زملائه وأصدقائه ومعجيبه على البقاء بالقرب من قبره لأكثر من ساعة، يدعون له الله ويسألونه الرحمة والمغفرة، وما ذلك إلاّ لأن عز الدين عاش بينهم كالنسمة لا يؤذي أحداً أو يتأمر ضد أحد، وقد قلت في حديث أجرته معي بالمقابر الفضائية السودانية والإذاعة الرياضة، إن عز الدين برغم عجزه عن دفع تكاليف العلاج بالخارج صبر على المرض عامين كاملين حتى نحل جسمه وصار يتوكأ في كثير من الحالات على عصا، رافضاً أن يمد يده لجهة أو يلجأ لصحافي ليكتب عن قضيته، وكان عندما يسأل الناس عن صحته يقول عبارته التي ظل يرددها باستمرار «الحمد لله من حسن إلى أحسن»، كان يقول ذلك بالرغم من أن المرض كان يكبر ويستفحل.. وعندما قلت له سأرفع أمرك لنائب رئيس الجمهورية من خلال آخر لحظة، قال لي خير.. ثم أخذ يحدثني عن إعجابه بالسيد النائب وكيف أنه يهتم بالإعلاميين الذين يصحبونه في رحلاته بالداخل والخارج، لدرجة السؤال عن طعامهم وراحتهم. وقد طلب مني عقب استجابة النائب للنداء وزيارته له بمنزله أن أفطر معه في رمضان، فقلت له بل تعال إلينا أنت، فرفض فجئت إلى منزله ووجدت الزميلين أحمد صديق وعماد حلاوي من الانتباهة، وقد ظل خضر يخدمنا طوال الدعوة برغم ضعف قواه عن الحركة، وطلب مني أن آتيه في اليوم التالي لأحمل رسالة شكر كتبها للنائب لنشرها في العمود، وقد فعلت.. وأغرب ما في الأمر أنه اعتذر فيها عن جلوسه بجوار النائب وهو يقول: لولا طلبك يا سيادة النائب ما جلست معك في سرير واحد.. فالرجل كان يحيا بأدب قال عنه في المقابر صاحب المنزل الذي يستأجره، إنه لم يسمع صوته يوماً يعلو أو يراه ثائراً أو ضعيفاً حتى في ظل تدهور صحته.. وأذكر أنه عندما ودعنا ليلة مغادرته البلاد كان متفائلاً جداً بالعودة من جديد لأجهزة الإعلام ومواصلة العطاء، إلاّ أن إرادة الله شاءت أن يفشل من توافقت كبدُه مع كبدِه في أن ينقل جزء منها له لظروف صحية، حيث اتضح هناك أنه يعاني منها، وفي حالة البحث عن كبد جديد ارتفعت البولينا ارتفاع القدر ليأخذ روحه السامية مفجعاً لنا.. اللهم ارحمه فقد عاش عفيفاً وعانى طويلاً من المرض حتى رحل، وألهمنا الصبر على الفقد الجلل والذي سالت له دموع كل من جاءوا للمقابر، وفي مقدمتهم وزير الدولة للإعلام ووزير الإعلام بالخرطوم ومعتمد الرئاسة بالخرطوم ورئيس تحرير آخر لحظة ومديرو قنوات السودان والنيل الأزرق والإذاعة، والقائمة تطول وتلتقي في أنها تحب عز الدين خضر.