لم أرَ المذيع التلفزيوني الشاب عز الدين خضر سعيداً في حياته كسعادة ليلة مغادرته البلاد لزرع كبد بديل له في تركيا، ففي تلك الليلة التي هاتفني فيها يطلب مقابلتي والتي حضرت فيها إلى منزله بأم درمان بصحبة المخرج التلفزيوني صلاح أوندي ووجدته في كامل أناقته التي ظل يطل بها علينا من خلال التلفزيون وحوله أصدقاء وأقارب كثر سعيدون لسعادته وأمامه منضدة مليئة بالحلوى، فالرجل كان يعتقد أن سفره هو نهاية لمعاناة عامين ظل يتحمل فيهما مرض تليف الكبد الذي ألم به فأقعده عن العمل وحال ضيق ذات اليد دون أن يسافر إلى تركيا أو الصين لإجراء العملية.. كما وجدنا أسرته في تمام سعادتها وهي تدعو للأستاذ علي عثمان محمد طه نائب الرئيس بالخير الذي سارع بزيارته في منزله بعد أن أوردنا في هذا الباب نداءً له لتبني علاجه، مصطحباً معه كوكبة من القيادات بينهم وزيرة الرعاية الاجتماعية سامية أحمد محمد ونائب مدير الزكاة ود. عصام أحمد البشير ليبكي عز الدين يومها عندما طلب منه النائب الجلوس إلى جواره ورواية رحلة المعاناة من الألف إلى الياء لينتهي اللقاء بوعد أوفى به سيادة النائب الذي قال له (سنفعل كل ما في وسع البشر أن يفعلوه من أجل إجراء العملية وعودتك معافى)... واذكر أن عز الدين قد اتصل بي في الساعات الأولى من الصباح ليشكرني ويقول لي إن الاستجابة التي تمت لما كتبته عنه لم يكن يتوقع أن تكون بهذه السرعة.. المهم أنني عندما زرته في ليلة الوداع وجدت معه صديقه الوفي ياسر عبد الماجد وزوجته واللذين وقفا معه بكل ما أوتيا، وقد قال لي عز الدين يومها عندما أعود سأذهب معك إلى منزل النائب لأشكره في منزله على تكفله بكافة نفقات السفر والإقامة والعلاج في تركيا.. ليغادر عز الدين البلاد سعيداً.. وهو لا يدري بأي أرض يموت، فالدولة أوفت بما وعدت وفعلت كل ما في وسع البشر، إلا أن إرادة الله شاءت أن ينهي عز الدين رحلة المعاناة بالموت خارج البلاد وأن يعود محمولاً على تابوت تاركاً عدداً من الأطفال وزوجة أرملة في منزل إيجار.. فالرجل كان عفيف اليد واللسان، لم يكنز من الدنيا غير ذكرى طيبة تركها وأناساً يبكونه من الأعماق.. رحمك الله أخي عز الدين، فقد كنت مميزاً في كل شيء، نسأل الله لك الرحمة والمغفرة.. و(إنا لله وإنا إليه راجعون) صدق الله العظيم.