القرار الذي أصدره الرسميون بحكومة ولاية شمال كردفان وبالتحديد من محلية شيكان، بإزالة سوق «أبو جهل» العريق وسط مدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان، هذا القرار وجلت له قلوب أبناء الولاية من المؤرخين والكتاب والباحثين أكثر من الخوف الذي اعترى تجار السوق، بحكم أن سوق أبوجهل أحد أبرز معالم مدينة الأبيض وبإمكانك أن تتعرف على ملامح أهلها بكل سحناتهم بمجرد دخولك السوق الذي يرتاده البقارة بعصيهم وحجباتهم والرزيقات والبزعة والجوامعة والبديرية وحمر بتقاطيعهم الجادة.. «آخر لحظة» تظهر في هذه المساحة ملامح من عراقة «أبوجهل» التي شفعت له ضد الإزالة وجور المحليات. عسل قدورة وطعمية (حاجة تبن) الذوق يبدأ من هنا هناك العديد من الأسماء التي ترتبط بذاكرة رواد سوق أبوجهل، أبرزهم بالطبع الطباخ دوشكا صاحب «الأقاشي» الأشهر بالسوق، والحاجة هانم تبن أشهر بائعة طعمية بالسوق، بجانب قدورة خبير النحل والعسل الأصلي بأنواعه الجبلية والرملية.. إذن من هنا يبدأ التذوق بسوق أبوجهل..بل تبدأ رحلة البحث عن كل ما هو معدوم بالأسواق الأخرى من حدوة الحصان وسروج الحمير حتى السكاكين بأنواعها والدروع الجلدية وأنواع مختلفة من محاصيل كردفان الموسمية. أزيار بلون الذهب وتشكيلي يستثمر في الخزف والأطباق الخاتم فضل السيد صاحب صيدلية الشهيد مطر جوار السوق، ظل يراقب حركة الباعة والمشترين ولكنه حسب قوله أعجبه جداً مشهد الأزيار ذات الألوان الذهبية المتراصة تحت ظل الهجليجة الشجرة الظليلة، وتمنى الخاتم لو كان باحثاً أو شاعراً حتى يوثق ذلك المشهد في ذاكرة التاريخ. أما التاجر الشاب أبو بكر محمود صاحب محلات تراثيات للخزف والأطباق ومعدات شيلة الزواج، فقد ذكر أنه تخرج في كلية الفنون الجميلة فناناً تشكيلياً، وسعى من خلال هذا المتجر الصغير لأن يستثمر في الفن عبر المقومات التراثية بكردفان ودارفور من الأطباق والسكسك وأدوات الزينة التقليدية التي تم عرضها بأسلوب تشكيلي رائع وجاذب للزوار من السودانيين والأجانب، واهتم بابكر بوضع مجسم تاريخي يضم كل الأدوات التي استخدمها المواطن السوداني على مر العصور من أدوات الحرب والزراعة والعزف والملابس، مؤكداً أن في العمل كذلك رسالة.