نعوم شقير: في الباب الثاني من جغرافية السودان، كتب نعوم شقير عن أسوان، حيث يقول: إن أسوان اسمها في القبطية سوان، زاد العرب الألف عليها لعدم الابتداء بالساكن.. وهي واقعة في رأس الشلال الأول، على بعد 590 ميلاً من القاهرة، وفيها آثار كثيرة تدل على قدمها وعظم أهميتها، منها خرائب هيكل من أيام البطالة، ويذكر أنه كان في أسوان بئر عجيبة تقع عليها أشعة الشمس عمودية في المنقلب الصيفي حتى تضيء جميع جوانبها من الداخل، ولكن لم يهتدي الى مكان هذه البئر بعد، والى الجنوب الشرقي من أسوان مقلع الجرانيت الصافي المشهور الذي أخذت منه مسلات الأقصر والمطرية والإسكندرية، وبعض الحجارة الكبيرة في بعلبك وتدمر وجهات أخرى في الشرق، ولا تزال فيه مسلة ضخمة غير مفصولة عن الطبقة الأصلية، كأن لم يعد لأصحابها فرصة لقلعها الى المكان المعد لها، فبقيت بعدهم تنادي بلسان حالها: ما درى الناحتون من قبل نحتي قلّ من نال في الحياة مرامه إن قصر الحياة يثنيه عنه وعلى قصرها بقيت علامة وكأن الشاعر يريد أن يقول إنه ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فالحياة مهما طالت قصيرة، وتظل المسلة شاهداً على قصر الحياة وفناء الدنيا، لأنه باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح. وهذه المسلة المذكورة طولها حوالي 95 قدماً، أي ما يقرب الى أربعين متراً، وعرضها يزيد عن أحد عشر قدماً، وقد شهدت أسوان تطوراً كبيراً مدة الثورة المهدية، حيث صارت حصناً كبيراً وجمعت الكثير من عساكر الجيش الذين شيدوا لها رصيفاً متيناً، ولم يفت نعوم شقير أن يتحدث عن نزل أو فندق كبير شيده القبطي كبير تجار أسوان، والذي يدعى بطرس سركيس. والذي يعرفه التاريخ أن ممالك النوبة تبدأ بعد أسوان مباشرة، وأن كلمة سوان في القبطية القديمة تعني السوق، فلقد كانت السوق الكبير بين مصر والسودان، وعلى منصة كبيرة وطويلة كان يقف التجار المصريون ناحية الشمال، وتجار السودان ناحية الجنوب ويتبادلون السلع، كل يخرج ما عنده ويأخذ بديلاً له ما عند الآخر. وكانت أسوان هي المدخل الى بلاد النوبة، ومن يرغب في الدخول الى النوبة يذهب الى أسوان ويأخذ منها المترجمين الذين يجيدون النوبية ولغة أخرى، وكان كثير من النوبيين يصلون الى أسوان ويقيمون فيها انبهاراً بمدينة جميلة جاذبة للناس، ولم تكن وقتها هناك حدود بين الأوطان، وقد اشتهر من سكان أسوان المؤرخ الشهير سليم الأسواني الذي نقل عنه المقريزي معظم أخباره عن النوبة والبجا، ولكن وبكل أسف ليس بين أيدينا ما كتبه سليم الأسواني، ونتعرف عليه فقط من كتابات المقريزي. وسكان أسوان حتى الآن كلهم يميل لونهم الى سمرة أبناء الجنوب، وهم خليط من السود والنوبة، والأقباط والمصريين والأتراك وهم جنود تخلفوا من عسكر السلطان سليم، وأروام وشوام، فهي مدينة تجارية جمعت كل مِنْ الأجناس مَنْ لديهم صلة بالتجارة، لأنها مركز تجاري مهم ولديها طريق مشهور منذ القديم في الصحراء الشرقية الى بربر طوله 743 ميلاً، وبينها وبين الشلال 9 أميال، وتصل الى السكة الحديد التي شيدت عام 1874، ووصل الميزان التجاري في أسوان قبل المهدية الى اثنين مليون جنيه، وكان طريق أسوان الى دنقلا هو الذي عبر به لفيف من أقباط مصر ليعيشوا في السودان للتجارة، كما هرب البعض منهم بسبب قسوة الحكام، وجاء الرهبان والأقباط هروباً من بطش الحكام وضرائبهم غير المبررة. أساقفة أسوان: وكان لأساقفة أسوان الأقباط، فضل كبير في تعرف أهل النوبة على المسيحية، لقد كانوا يفدون الى أسوان يحملون مرضاهم، وكان الأسقف القبطي يرحب بهم، ويصلي لأجل مرضاهم وكثيراً ما ينالون الشفاء، ويذكر المؤرخون من هؤلاء الأساقفة الأنبا أمونيوس الذي خدم بين عامي 457-474م، وكان قد صنع عدة أشفية، وكان واعظاً ومفسراً للكتاب المقدس، ويحكى أنه ذات يوم عبر أمام صبي مقعد.. ولما صار ظله على هذا المشلول شفي في الحال. ونذكر هنا دور الأسقف ثيودوروس أسقف جزيرة فيلة بأسوان، والتي كانت معقلاً لما يقرب من مليون يهودي، وكان هذا الأسقف غيوراً على ممالك النوبة، وعندما رجع منهم يوليانس الراهب تعهدهم هو بعنايته ورعايته الروحية. وكانت أسوان هي المحطة الأولى التي وصل اليها وفد الامبراطور جوستنيان مزوداً بالمال والهدايا، والثياب البيضاء للمعمودية، حاملاً معه رسالة الى الحاكم في أسوان، وكانت أسوان أيضاً هي التي استقبلت وفد الامبراطورة ثيودورا عام 543 برئاسة الراهب يوليانوس والذي حمل رسالة الى حاكم أسوان تطالبه الامبراطورية أن يدخل وفدها الى ملك نوباطيا قبل وفد الامبراطور، ويقول البعض إنها هددت حاكم أسوان بقطع رقبته، ونحن نرى غير هذا، لأن من يبشر بالمسيح لا يمكن أن يقطع رقبة أحد، ربما كان هذا مجرد تهديد، وربما كتب هذا مؤرخون غير أقباط أرادوا لغيرهم إشانة السمعة، لأن المبشر يحمل السلام وليس السيف.