بدأت أمس بمدينة كادوقلي اجتماعات المائدة المستديرة ل 9 ولايات سودانية بعد أن أصبح تنسيق الولايات في ذمة التاريخ يحسن الله للتنسيق وتتقبل إتفاقية السلام العزاء في مؤتمرات الولاة التي كانت تضيء سماء السودان.. يلتقي ولاة الشمالية بالغرب والجنوب بالشرق، لكن لغة التشرذم قد أوردت فكرة مؤتمرات الولاة المهالك وشيعتها في آخر الأمر التي حيث المتحف التاريخي للمبادرات والإشراقات في الحكم الإتحادي.. في زمن أخذت السياسة الوطن برمته وسجنته ما بين الانتخابات تقوم والانتخابات تلغى.. وفصيل فلان يشارك في الدوحة.. وفصيل فلان يرفض الدوحة كمقر ويرفض الجلوس مع المؤتمر الوطني كحزب ويضع رهانه على السقوط الجمعي لأحزاب السودان.. في هذا المناخ الكئيب ينعقد مؤتمر المائدة المستديرة في ولاية جنوب كردفان ليلتقي ولاة نيالاوأويل وربك وملكال وسنجة والمابان والمجلد وبانتيو، وهذه المتقابلات من المدن بينها مصالح يمكن إدارتها لمصلحة المواطنين.. وبينها شرارات يمكن النفخ فيها لإشعال حرائق بين الشمال والجنوب.. طبعاً في هذا الوطن هناك مستثمرون للحرب ومستثمرون للسلام.. هناك من يصلي ويرفع الأكف بالدعاء من أجل تفاقم الأوضاع الأمنية وتدهور العلاقات الاجتماعية وتنامي القطيعة السياسية بين حزب هنا وآخر هناك!! كادوقلي أصبحت تمثل المنطقة الوسطى بين الارتفاع الدائم في حرارة جسد الشريكين والبرودة التي تبلغ التجمد.. في كادوقلي ولاة (9) ولايات بعضهم بصفة التكليف مثل ولاة بحر أبيض وجنوب دارفور وهناك ولاة بكامل قواهم السياسية والتنفيذية مثل هارون وأحمد عباس والجنرال مولانق في أويل، وتعبان دينق في ولاية الوحدة!!.. هؤلاء يجلسون تحت سقف واحد وبإشراف ورعاية مؤسسة الرئاسة ممثلة في الفريق سلفاكير ميارديت والأستاذ علي عثمان محمد طه، وفي مشهد اجتماع ولايات التماس ثلاث صور ناطقة. الصورة الأولى: الوحدة تصنعها إرادة سياسية معافاة من إرث الماضي واحتقانات الأمس وقادرة على النظر للغد بعين ثاقبة وفكر سديد.. الصورة الثانية: رغم قتامة مشهد الصراع والخلافات بين الشريكين، فإن أضواء خافتة في نهاية النفق المظلم يمكن أن تبعث أشعتها وتضيء سماء السودان وشموع إتفاقية السلام تجسدها مؤسسة الرئاسة حينما تعقد اجتماعاتها المتباعدة تتقارب المسافات بين الوطني والحركة ولكن شيطان ووسواس الشريكين سرعان ما يخيم على سلوكهما السياسي والتنفيذي.. وفي كادوقلي ضرب الحلو وهارون المثل في المسؤولية والإحساس بحاجة الناس للطمأنينة والتنمية وجرعة الدواء والطريق، أكثر من حاجتهم للانتخابات وجدلية العلمانية والإسلامية!! الصورة الثالثة: في لقاء قادة الجنوب والشمال مصلحة حقيقية للرعاة الذين يعيبرون شمالاً في فصل الخريف وجنوباً في فصل الصيف، ومصالح الأهالي تعلو على ما عداها من اعتبارات.. بالقرب من المائدة المستديرة للولاة تنعقد الدورة الثانية لمجلس حكماء ولاية جنوب كردفان، ونظرية الحكماء تمثل وجهاً آخر لعبقرية الشريكين في تلك المنطقة لتقاسم السلطة مع آخرين من الأحزاب وخبرات من الماضي وروح شباب من الغد، وفي مجلس الحكماء سر مدفون جعل قيادات الوطني يحتفى بها في كاودة عاصمة الحركة الشعبية التي كانت مغلقة حتى في وجه رئيس المؤتمر الوطني قبل تفتق عبقرية الشريكين في تبديل العنف بالسلام.