يتبادر للذهن سؤال جوهري مع عظم التحديات والانشطة المطروحة في مواجهة منظمة أبرار والسؤال هو: من اين لنجاة بالمال والامكانات اللازمة لتمويل هذا النشاط الضخم؟!. والاجابة بلا شك حاضرة لدى من واكبوا نجاة ونشاطها الخيري عن قرب، فقد كانت نجاة في الواقع تمتلك مهارات خاصة في مجالات النصح والمناصرة وترويج العمل الخيري وتسويق مشاريعه الانسانية ، فنحن نرى نجاة تنشط اليوم في معرض خيري لربط الفن بقضايا الإعاقة وتوظيف ريع الانشطة الفنية لمصلحة ذوي الاحتياجات الخاصة، ونراها تنشط غداً في إقامة الشراكات الناجحة مع العديد من المنظمات الدولية الصديقة لمصلحة المعاقين مما يعود بالنفع على المنظمة وتطوير مقرها وتنمية قدراتها، وهي تنشط بعد غدٍ في إقامة علاقات عمل مشجعة مع الحملة الدولية لمكافحة الالغام تعبيراً عن التلاقح الوطني والدولي في الشأن الانساني، ونرى نجاة تجتهد في تنسيق أنشطة أبرار مع المؤسسات ذات الصلة ممثلة في وزارة الرعاية الاجتماعية وشئون المرأة والطفل والمركز القومي للالغام ومفوضية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج وما سواها من الاجهزة وهي إذ تفعل هذا كله، لا تنقطع عن الحركة بحثاً عن الدعم والمؤازرة لقضايا المعاقين مما دعا إحدى الاخوات للتعليق على نشاط نجاة صالح الدؤوب في الحقل الطوعي (لم أرها إلا وهي معنية بملفاتها ومهمومة بانجازها بحيث لا تكاد تفتر عن العمل المتواصل). ما لا يعلمه الكثيرون أن نجاة باستقلاليتها وعصاميتها لم تمد يدها الى مال عام أو خاص ، ولم تستعن في امس أوقات الاحتياج حتى بزوجها مندور ونفوذه في الحصول على أموال أو امتيازات خاصة لها أو لمنظمتها، وما لا يعلمه الكثيرون أن نجاة كانت تقتطع في أحايين عديدة من مدخراتها الذاتية لتمويل منظمة أبرار ونشاطها الدائب. وغني عن القول إن نجاة كانت تضطلع بهذا النشاط الهائل وهي تقود عربتها المتواضعة لقضاء حوائج المنظمة ومنسوبيها من ذوي الاحتياجات الخاصة في وقت تمتلئ فيه الساحة الطوعية وغير الطوعية بكم ليس باليسير من العربات الفارهة بأحدث الطرز والموديلات. ومما عرف عن المرحومة نجاة عزوفها عن الاضواء والضجيج فقد كانت تقف على مبادرات ضخمة ثم تتواري عن الانظار لتفسح المجال لآخرين في ذروة الاضواء والافتتاحات. وفي تقديري أن زهد نجاة هذا ربما لم يجعل القائمين على أمر العمل الطوعي يفطنون الى أهمية تكريمها في حياتها، ونحن بالطبع لا نلتمس العذر لهم، حيث تم تكريم العديد من الشخصيات والرموز من الرجال والنساء في مناسبات عديدة، وهم أهل للتكريم بالطبع، بيد أننا نقدر أن نجاة بمبادراتها وكسبها كانت أولى بالتكريم، وهي إن لم تتفوق على هؤلاء الذين جرى تكريمهم فانها لا تقل عنهم بأي حال من الاحوال.لقد كان آخر عهدي بنجاة حين إلتقيتها منذ نحو شهر من الزمان في إطار فعاليات إنعقاد مجلس أمناء الوكالة الاسلامية للاغاثة، ثم التئم شملنا في دار أبرار العامرة بحي الزهور بدعوة كريمة من نجاة لرعاية مبادرة جديدة تتمثل في إقامة ملتقى دولي بالسودان لقضايا المعاقين، وقد كانت نجاة تترقب انفاذ هذه المبادرة المهمة في واقع العمل الطوعي الانساني بالبلاد في لهفة وحماس. ومنذ نحو شهرين كان لنا لقاء مشهود بدار ابرار بمناسبة افتتاح المرحلة الاولي ل(مركز أبرار لمعلومات وبحوث ودراسات الاعاقة) وهي مبادرة انسانية تشرفت بتطوير فكرتها وصياغة مسودتها الى جانب الاستاذة نجاة منذ نحو أربع سنوات، لتتعهدها المنظمة بالرعاية والعناية والتطوير مستأنسة بخبرات الاساتذة عبد العزيز كرم الله عميد معهد دراسات الاسرة والمجتمع بجامعة السودان والاستاذ عمر صديق حتى رأت المبادرة النور في لقاء مشهود حضره سائر الرسميين والطوعيين وفي مقدمتهم الاستاذ عبد القادر محمد زين ومدير المركز القومي للألغام. وأنني إذ أذكر ما تم انجازه من مبادرة مركز معلومات أبرار في مرحلته الاولي أرجو أن اتوجه بنداء صادق الى الاستاذة سامية احمد بما تمثله من مرجعية رسمية لقضايا الاعاقة في البلاد، وأناشد الدكتور عبد الباقي الجيلاني الجهة المشرفة على المركز القومي للالغام، كما أناشد جملة من الخبراء وفي مقدمتهم الاساتذة الدكتور حسين العبيد المفوض الاسبق للعون الانساني، والاستاذ عبد العاطي عبد الخير الامين العام للشبكة القومية لمكافحة الالغام، والدكتور سراج الدين عبد الغفار رئيس مجلس إدارة اسكوفا وما سواهم من المسئولين والخبراء.. أناشدهم بالعمل جميعا على رعاية انشاء مركز قومي للدراسات والبحوث والتدريب في مجال الاعاقة بمختلف صورها واشكالها فضلاً عن مكافحة الالغام، وأتمنى أن يشار الى اطلاق اسم المرحومة نجاة صالح على المركز المقترح وفاءً وعرفاناً وتقديراً لمبادراتها في مجالات العمل الطوعي كافة. كما أتمنى أن يشار الى تخصيص أرفع الجوائز التقديرية في الدولة باسم المرحومة نجاة صالح على أن يتم منحها سنويا عبر لجنة متخصصة لابرز النماذج والممارسات الجيدة في مجال العمل الطوعي والنسوي الذي يستهدف رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة ومكافحة الالغام. وكما أن البر لا يبلى فأننا نأمل ألا تبلى منظمة أبرار وينقضي عملها بوفاة نجاة صالح المدير التنفيذي للمنظمة، ومن أجل هذا نرجو أن يولي كل من السيد مفوض عام العون الانساني والسيد المدير التنفيذي لاسكوفا عنايتهما القصوى لرعاية منظمة أبرار وتأمين الدعم لها حتى يتسنى للمنظمة العبور بأنشطتها ومنسوبيها مرحلة الصدمة التي خلفتها وفاة المرحومة نجاة الى بر الأمان.. بر العمل الصالح المستدام. لقد ذهبت نجاة الى بارئها مخلفة في نفوس من عرفوها عظيم الاثر والتأثر ويتجلى ذلك في الدموع الغزيرة التي ذرفت من محبيها وزملائها والمنتفعين بفضلها من ذوي الاحتياجات الخاصة. كما تتجلي مكانة المرحومة نجاة عند سواد الناس في الكم الهائل من المشيعين الذين تقاطروا على مقابر الصحافة للمشاركة في الصلاة والدفن حتى ضاقت بهم المقابر على سعتها مما يذكرنا بالمشهد الجلل، صبيحة تشييع الشهيد الزبير محمد صالح وصحبه الأبرار .وفي الوقت الذي نختتم فيه مقالنا هذا نرفع أكف الدعاء والضراعة الى المولي العزيز القدير، اللهم أرحم نجاة وأغفر لها وأجعل عملها صالحاً متقبلاً. اللهم ألزم زوجها محمد مندور وابناءها مندور وعبد المجيد ولينا ولدن ورزان وكافة أفراد الأسرة الصبر الجميل، واسبغ عليهم سكينة لا يفزعوا بعدها ابداً واجعل البركة في هذه الذرية الصالحة الى يوم الدين. اللهم إنا احتسبنا نجاة عندك، يامن بيده الأمر فأجعل الجنة مثواها وذلك نعم الجزاء لعبادك المؤمنين، وآخر دعوانا سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله.